"الموت المدفون"... سلاح المليشيات للانتقام من المناطق اليمنية المحرّرة

24 اغسطس 2015
450 مدنياً ومقاوماً ضحايا الألغام (فرانس برس)
+ الخط -
بعدما أعلنت "المقاومة الشعبية" والقوات الشرعية، فضلاً عن التحالف العشري في اليمن، أخيراً، عن تحرير العديد من المحافظات اليمنية بما في ذلك الجنوبية، ومن بينها عدن، لحج، الضالع وأبين من مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، عادت عشرات آلاف الأسر التي نزحت داخلياً أو اضطرت للّجوء إلى الدول المجاورة إلى منازلها ومناطقها، لتجد موتاً آخر ينتظرها بين الأحياء والمنازل وعلى الطرقات، يتمثل في الألغام أو ما بات يُعرف بـ"الموت المدفون".

فعلى الرغم من إعلان تطهير كل الجيوب من مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع في محافظات عدن ولحج والضالع وأبين تحديداً، إلّا أنّ هناك حرباً أخرى كان الحوثيون ورجال المخلوع قد دشنوها قبيل هزائمهم المتتالية، تكمن تحديداً في حرب الألغام، ظناً منهم أنها تضمن لهم بعد انسحابهم الانتقام من خصومهم. وباتت الألغام منذ أسابيع تحصد أرواح المدنيين، وتحوّل حياتهم إلى جحيم، إذ لم تحرمهم فرحة العودة فقط إنّما الحياة أيضاً.

محمد إسماعيل، نزح إلى حضرموت خلال المواجهات، لكنه ما لبث أن عاد ليتفقد منزله في لحج بعد غياب دام أربعة أشهر، وما إن وطئت قدماه طريقاً ترابياً فرعياً مؤدياً إلى منزله حتى انفجر فيه لغم مزروع إلى جانب الطريق الرئيسي أودى بحياته، بحسب ما قال أحد أقرباء إسماعيل، ويدعى أبو إسحاق، لـ"العربي الجديد".
لغم آخر أودى بحياة أسرة لم يبق منها إلّا طفلة صغيرة، إذ انفجر اللغم في سيارة العائلة على طريق لحج ـ عدن، عندما خرج إطار السيارة عن الخط الرئيسي، فقُتل ستة من أفراد العائلة وبقيت الطفلة سارة، بعدما فقدت رجلها وعينها.

وبات القتل يطارد عدداً كبيراً من الأسر سواء في منازلهم أو أحيائهم أو حتى على الطرقات الرئيسية، كالتي تربط الضالع وتعز وأبين في لحج وعدن.
وتشير مصادر في "المقاومة" والمنطقة العسكرية الرابعة، بالإضافة إلى مواطنين وناشطين، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الألغام المزروعة قد أودت بحياة المئات، سواء من المقاومين أو المدنيين الذين نالوا الحصّة الأكبر. ووفقاً لمصادر في "المقاومة" تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن ضحايا الألغام يقارب 450 شخصاً بين قتلى وجرحى، من المقاومين والمدنيين، على حد سواء. وفيما يرتفع عدد الضحايا باستمرار في صفوف المدنيين والمقاتلين، قتل ثلاثة عسكريين إماراتيين، من ضمن قوات التحالف العربي، عندما كانوا على متن عربة عسكرية مرّت فوق لغم، فانفجر ودمّر العربة بمن فيها.

وتتوزع الألغام على الجوانب الترابية للخطوط الرئيسية، فضلاً عن الخطوط الفرعية وداخل أحياء عدد من المدن في منازل ومبان ومرافق حكومية. كما زرعت الألغام داخل مواقع وثكنات عسكرية، ومداخل ومخارج بعض الأحياء والمدن والمواقع في المحافظات الأربع.

وفيما تحوّلت حياة المواطنين في هذه المناطق إلى كابوس يحمل رائحة الموت، فرض الواقع الجديد على المدنيين حصاراً من نوع آخر حدّ من تحركاتهم بعد أيام فقط من التخلّص من الحصار المباشر الذي كانت تفرضه مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع.
وتشير معلومات عسكرية لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ المليشيات زرعت أكثر من عشرين ألف لغم تقريباً، من بينها ألغام بلاستيكية خطيرة، إيرانية الصنع، في حين تتحدّث معلومات غير رسمية عن وجود أكثر من ستة وثلاثين ألف لغم.

اقرأ أيضاً: ارتفاع وتيرة انتهاكات الحوثيين والتحالف يستهدف مواقعهم في البيضاء

ويوضح مصدر عسكري في المنطقة العسكرية الرابعة لـ"العربي الجديد"، أنّ عدن هي من بين أكثر المحافظات التي تنتشر فيها الألغام، مشيراً إلى أنّ عدد الألغام يقلّ في مدن التواهي والمعلا وكريتر وخور مكسر. ويلفت إلى أن شمال عدن مليء بالألغام، ويشمل مناطق جعولة والبساتين وبئر أحمد والمدينة الخضراء، فضلاً عن المنطقة الشرقية لعدن في حدودها مع أبين. المعاناة نفسها أيضاً في محافظة لحج، وخصوصاً في مناطق صبر والوهط والحوطة والحسيني والفيوش وتبن واللواء الخامس، وكذلك قاعدة العند ومحيطها، بما في ذلك مثلث العند وصولاً إلى المسيمير وعقان ومعسكر لبوزة وجبل منيف وكرش، في حدود لحج وتعز، مليئة هي الأخرى بالألغام، كما هو الحال في مناطق شمال الضالع وأبين".

وباتت الألغام، أو كما يطلق عليها "الموت المدفون"، كابوساً يؤرق الجميع، ولا سيما أنّ الآلات التي تزيل الألغام لم تتمكن من إيقاف الموت

يعتبر أستاذ في إحدى المدارس اليمنية، شائف مثنى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "مليشيات الحوثيين وقوات المخلوع اتخذت من هذه الآلة سلاحاً للانتقام من المدنيين في الجنوب، على خلفية الخسائر التي كبّدتها إياها المقاومة، وأفشلت مشروعهم في احتلال الجنوب"، مؤكداً أن "ما تقوم به هذه المليشيات ينمّ عن حقد وجرائم ضد الإنسانية، مطيحة بكل الأعراف والشرائع".
ويضيف مثنى أنّ "المقاومة والجيش الموالي للشرعية يخوضون حرباً أشد وطأة من حرب الرصاص، بعدما أثارت الألغام الرعب في صفوف الجميع، بل قيّدت عمل القوات الشرعية والتحالف، وهو ما استدعى إرسال السعودية فريقاً من خبراء المتفجرات للمساهمة في تخفيف ضحايا الألغام".

من جهته، يقول الناشط في "المقاومة"، يوسف إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المليشيات تعمّدت قتل المدنيين كعادتها، وهذه المرة من خلال تلغيم حياتهم ومنازلهم وطرقاتهم متجاوزة كل القوانين الدولية"، معتبراً أنّ مليشيات الحوثيين والمخلوع زرعت الألغام أيضاً بهدف إشغال قوات الشرعية والتحالف بها، فضلاً عن استخدامها لإعاقة تقدّم المقاومة، كحال زرعها في حدود لحج تعز، وكذلك زرعها في قاعدة العند.

وتؤكد مصادر أخرى في الضالع، أنّه تمّت إزالة أكثر من ألف لغم، مرجّحة وجود الآلاف غيرها. كما تشير مصادر في عدن ولحج، إلى أنّ عملية إزالة الألغام تجري بحذر شديد، وقد تمت إزالة أكثر من ثلاثة ألف لغم من فصائل مختلفة. وتصف المصادر ذاتها معاناة مستخرجي الألغام، الذين يتعرضون للضغط النفسي والمعنوي بسبب ارتفاع أعداد الضحايا وكثرة الألغام المزورعة في معظم المناطق.
وكانت مصادر في أبين قد أشارت إلى أنه في الأيام الأولى لطرد المليشيات، اضطرت "المقاومة" والجيش الموالي للشرعية إلى الانتظار على أطراف بعض المناطق إلى حين إزالة الألغام قبل الدخول إليها.

اقرأ أيضاً: انفجار يستهدف مقر "الأمن السياسي" في عدن

المساهمون