"المشروع للتفكير والتكوين" حين تخرج الثقافة من جلباب السياسة

28 يونيو 2016
عبدالإله بن كيران ضيفاً على ندوات "المشروع"
+ الخط -
ترتبط مؤسسة "المشروع للتفكير والتكوين" في المغرب، بطريقة غير مباشرة بـ "الربيع العربي" بنسخته المغربية عام 2011. فهذه المؤسسة التي تقدّم نفسها على أنها مؤسسة فكرية وثقافية مستقلة، ويدعمها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية "المعارض"، اختارت تاريخ العشرين من فبراير / شباط 2015 موعدًا لانطلاقها. ولهذا التاريخ معانٍ ودلالات، إذ يذكّر بحركة "20 شباب فبراير" التي طالبت بإرساء إصلاحات سياسية واجتماعية وثقافية في البلاد، وبمحاربة الفساد والاستبداد في البلاد.
ويقف مثقفون ومفكرون مغاربة وراء تأسيس المؤسسة، التي لطالما صرحوا في مناسبات مختلفة : "إنهم أرادوا أن يمأسسوا تلك الحركة الشبابية، وينقلوا جذوتها الحماسية إلى مجالات التفكير والتكوين".


ويبدو من أدبياتها ووثيقتها التأسيسية أنها "جمعية تعنى بالدراسات والأبحاث والتكوين في مجالات التنمية والفكر والثقافة والعلوم وكل المعارف الإنسانية"، وهي تعمل بنَفَسٍ طموح، ضمن ما تسميه "أفقًا حداثيًا ديمقراطيًا تقدميًا"، وهو الأرضية التي تنطلق منها، لاحتواء مختلف الحساسيات والأطياف الثقافية والفكرية والسياسية المختلفة، وحتى المتصارعة منها، مثل حالة استضافة عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الأمر الذي خلق جدلًا وقتها، وكذلك حين استضافة زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر.

حصاد العام الأول

وبعد مرور أزيد من عام على الانطلاق، يبدو أن مؤسسة "المشروع للتفكير والتكوين" قد استطاعت أن تلفت إليها انتباه النخبة الثقافية والسياسية في المغرب، بفضل الملفات والمحاضرات التي تشرف على تنظيمها. فالمؤسسة التي يترأسها الأكاديمي المغربي، عبد اللطيف كمال، تضم في عضويتها قامات ثقافية وفكرية مهمة كسعيد يقطين ومحمد الداهي وعبد الرحمن طنكول وإدريس بنسعيد، وغيرهم.

وقد شارك الأكاديمي والناقد المعروف، سعيد يقطين، في لقاء فكري حول "المجتمع والثقافة"، أما الأكاديمي والوزير الأسبق، الدكتور عبد الله ساعف، فقد شارك في لقاء آخر حول "الفكر والسياسة". ويظهر من خلال لقاءات أخرى، مثل "في ضرورة اليسار" الذي حضرته مختلف أطياف اليسار المغربي، و"منظومة التربية والتكوين ومراجعة البرامج الدراسية الدينية"، أن المؤسسة تسير في درب مشابه لمراكز الأبحاث الغربية، أو ما يعرف بـ Think tank في نسخة مغربية، وذلك في ضوء الشراكات التي أقامتها مع مؤسسات دولية مماثلة في كل من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا والولايات المتحدة الأميركية والسويد.
ويعتبر مناصرو هذه التجربة أن نجاح المؤسسة يكمن في استقطاب العديد من الأسماء المعروفة في عوالم الثقافة والفكر والسياسة، وفتح نقاشات عميقة حول ملفات بعينها برحابة صدر، وبإشراك حساسيات وتيارات مختلفة، وبحضور ومتابعة إعلامية كثيفة، تساهم في تبسيط الفكر وتقريبه من المواطن. وبالنسبة إلى هؤلاء، فإنه كما عمل المغرب على مشروع تقريب الإدارة من المواطنين، من خلال تقريب الخدمات الإدارية من متناول المواطن العادي، فإن مؤسسة المشروع تروم تقريب الثقافة من المواطن البسيط، وجعلها في متناول يده وفهمه، من دون الوقوع في شراك السياسيين الذين يبعدون ويقصون من يخالفهم الرؤى والمواقف.

مشروع وُلد نائمًا؟

وفي مقابل الذين يناصرون تجربة هذه المؤسسة ومسارها، ثمة من يجد أنها "مشروع ثقافي ولد نائمًا"، وفق تعبير الأديب والمختص في شؤون المعرفة، صلاح بوسريف، الذي قال لـ"ملحق الثقافة" :"إن كل المشاريع الفكرية والثقافية التي تصدر عن أحزاب سياسية، من اليسار أو من اليمين، هي مشاريع تضع السياسة أو الحزب في الواجهة، وليس ما تدعيه من مشاريع ثقافية".

وأوضح بوسريف أن السبب يعود بالأساس إلى أن "هذه المشاريع الفكرية أو الأفكار الثقافية تكتفي بالإنصات إلى من تعتبرهم من مثقفي ومفكري الحزب، أو من يدينون بالولاء له، ولا يقبلون الرأي الحر المستقل، الذي غالبًا ما يقترح أفكارًا لا تسير في درب التوجه الفكري أو الأيديولوجي للحزب، ولأن فيها جرأة لا يقدر الحزب على تبنيها". وأضاف منتقدًا الحزب الذي احتضن تجربة المؤسسة : إن حزب الاتحاد الاشتراكي يعيش حاليًا أزمة فكر، وأزمة رؤية فكرية، وهو حزب لم يراجع نفسه ولم ينتقد أخطاءه، ولا ما كان سببًا فيه من مشكلات، وهي التي أتاحت للإسلاميين الوصول إلى السلطة في المغرب، حين كانوا هم في السلطة".
وانتقد بوسريف بشدة استضافة مؤسسة "مشروع" لبعض الوجوه، وقال إن "فكرة هذه المؤسسة تبدو من منطلقها غير ذات جدوى"، كونها أتاحت مكانًا لما سماه "التهريج وفكر التخلف الديني والسياسي"، مضيفًا أن "هذا مؤشر على أن هذا المشروع ولد نائمًا، أو هو في حالة غيبوبة، مثلما الحزب نفسه الذي يحتضنه".
المساهمون