يواجه الباحث الفلسطيني بشكل عام، والمتخصّص في الكتابات عن التاريخ الاجتماعي والثقافي، تحديات مختلفة من أبرزها الوصول إلى الأرشيف والوثائق التاريخية.
وقد برزت مجموعات وأفراد نشطت بشكل خاص منذ التسعينيات تقترح اتجاهات جديدة، وإطاراً لتوسيع وتعميق الحفاظ على التراث العربي الفلسطيني، ويوثّق الجذور التاريخية والثقافية له.
ويأتي جهد الباحث بشار شموط في هذا الاتجاه، فقد أصدر مؤخراً كتاب "الإرث الفلسطيني المرئي والمسموع، نشأته وتشتته والحفاظ الرقمي عليه: دراسات أولية وتطلعات مستقبلية" عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، وفيه يوثّق تاريخ الإرث المرئي والمسموع، وأماكن وجود المجموعات المتناثرة والمتشتتة في أرشيفات العالم، وكيفية الوصول إليها.
الدراسة هي من الأبحاث القليلة التي تعالج موضوع الإرث الفلسطيني المرئي والمسموع لا من الخلفية السياسية أو التاريخية للنتاج والحراك الثقافي الفلسطيني، وإنما من المنظور العلمي والعملي لعلوم الأرشيف الحديثة.
يأتي الكتاب في ستة فصول؛ يتناول الأول منها "تناثر الإرث الثقافي المرئي والمسموع لفلسطين والتطلع نحو التنسيق المشترك للحفاظ عليه، والثاني "دور المتحف الفلسطيني في الحفاظ الرقمي على الإرث الثقافي الفلسطيني المرئي والمسموع".
أما الفصل الثالث فهو "بدايات التوثيق المصور والتسجيل الصوتي في فلسطين قبل سنة 1948"، ويأتي الرابع بعنوان "تلنكبة والذاكرة الجماعية المهددة"، في حين يناقش الفصلان الأخيران "مجموعات ومواد مرئية ومسموعة منهوبة في الأرشيفات الإسرائيلية"، و"قوائم المجموعات والأرشيفات المرئية والمسموعة التي تم العثور عليها حتى الآن".
من الأبحاث القليلة التي تعالج موضوع الإرث الفلسطيني المرئي والمسموع من منظور علوم الأرشيف الحديثة
وبالإضافة إلى البحث الموضوعي المبني على علوم الأرشفة الرقمية، يتطرّق الكتاب أيضاً إلى بعض القضايا الجوهرية المتعلّقة بالمحاولات الدائمة والمتعمدة من جانب المؤسسات الإسرائيلية لإخفاء الهوية الثقافية الفلسطينية، ومحو الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني والهيمنة عليها.
يناقش الكاتب بأسلوب موضوعي قضية نهب وفقدان المجموعات المرئية والمسموعة من بيروت عقب الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982؛ وهي ذات قيمة ثقافية وتاريخية مميزة جداً، إذ كانت قد أُنتِجَت في ظل النهج النضالي لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ انطلاقتها.
يذكر أن شموط وُلِد في بيروت، وأمضى طفولته فيها في ظلّ الحراك الوطني والثقافي الفلسطيني في السبعينيات وأوائل الثمانينيات ثم انتقل إلى ألمانيا، حيث درس هندسة الصوت والتسجيل الموسيقي.
تخصّص المؤلف في مجال الأرشفة الرقمية للإرث المرئي والمسموع، وحاز الدكتوراه في هذا المجال من "جامعة بادربورن" الألمانية المتخصّصة بالإرث الثقافي وبتقنية المعلومات الرقمية.