نظراً إلى طبيعة المسرح البصرية، استدعى الجبالي في "المجنون" تقنيات ووسائط حديثة حوّلت الخشبة إلى لعبة بصرية ولغات مفتوحة على الاندهاش.
في كثير من مشاهد المسرحية، لا نرى أجساد الممثلين كاملة، ليقوم جزء من الجسد بدوره الحركي على الخشبة. هذه الأخيرة لم تكن تحتاج إلى تأثيث كبير، فلعبة الإنارة والموسيقى احتوت كل الفضاء السينوغرافي الذي صمّمه صبري عتروس.
كما وظّف العمل بقوة تقنيات الجسد كي تصل تلك الخطابات المضمرة والتي لم يكن متاحاً أن تجعلها لغة الحوار ممكنة. وقد اعتمد الجبالي في هذه المسرحية على كوريغرافيين أكثر من ممثلين مسرحيين، هم؛ آمال العويني وفاتن الشادلي وياسمين الديماسي ومروان الروين.
يبدو الجبالي وقد آمن بأن الإبهار يمثّل أحد الحلول الممكنة للخروج من صيغ العرض المسرحي التقليدي، وهو ما يتطابق مع ما ينادي به صوت خارجي في أحد المشاهد "لكم أفكاركم ولي أفكاري"، كما يمكن أن ننظر إليه ضمن تجربة المسرحي التونسي كمحاولة للمرور من مسرح الكلمة الى مسرح الجماليات المفتوحة، وكأن الجبالي في "المجنون" يدخل تجربة "الثورة على نفسه".
من خلال التقاطه لأفكار وصور بعينها من جبران، يشير الجبالي إلى أن الخروج من ديكتاتورية الفرد لا يعني بالضرورة الخروج من شرنقة الديكتاتورية، إذ قد نجد أنفسنا في ديكتاتورية الجماعة الحاضرة اليوم بقوة.
يمكننا أن نتساءل بعض العرض، هل خرج الجمهور سعيداً من "قاعة السعادة"؟ سؤال لعله يشغل تفكير الجبالي، على اعتبار أنه ظل دائماً ينادي بمسرح مختلف، مسرح مغاير، مسرح للمسرحيين وليس للمناضلين.