خصصت المجلة الألمانية "اللقاءات الفيلولوجية" التي تصدر في برلين، عددها الجديد لسلسلة دراسات تحت عنوان "العلوم الحديثة المبكرة: أبحاث حول ابن خلدون وجيامباتيستا فيكو"، حيث تقدم وجهات نظر جديدة حول التواريخ المتشابكة بين صاحب "المقدمة" (1332 - 1406) والفيلسوف الإيطالي جيامباتيستا فيكو (1668 - 1744).
يتضمن العدد مقالات للمتخصصين في تاريخ الفلسفة، ليوناردو كيبزون، ورافاييل كاربون، وماركوس ألكسندر لينز، مع مقدمة كتبها المحرران أستاذ الدراسات العربية إسلام دية، وأستاذ الفلسفة ماركوس ميسلينج.
في المقدمة يشرح المحرران سبب المقارنة بين ابن خلدون وفيكو، حيث طرح الاثنان معضلات فكرية وقدما فهمًا للعالم بناءً على اعتبارات تتعلق بالإنتاج الاجتماعي والثقافي الإنساني، كما يمثل الاثنان لحظة مهمة في الفكر الفلسفي والتاريخي الحديث المبكر.
ويتساءل الكاتبان في المقدمة إن كان من المفيد، بل المعقول، أن يُقارَن مفكران محوريان مثل ابن خلدون وجيامباتيستا فيكو بمنظور مشترك؟ ألم يفترقا بثلاثة قرون تقريبًا، ويعيشا على جانبي البحر الأبيض المتوسط ، ويعملا في ظروف مختلفة جدًا؟
على الرغم من هذه الاختلافات الكرونولوجية والتأويلية، يؤكد الكاتبان أن هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى قراءة متشابكة لكتابات ابن خلدون وفيكو. أولاً، من حيث سيرتهما الذاتية، حيث كان لدى المفكرَين مهن متشابهة في الفقه والتأريخ والخطابة والكتابة.
علاوة على ذلك، وفي حين انتُقدت جوانب معينة من دراسات معاصريهم، أظهر كلاهما درجة عالية من المعرفة بالمنطق وكتابة التاريخ والبلاغة وعلم اللغة، واستخدما هذه المعرفة في تأملاتهما في التاريخ وظروف الشؤون الإنسانية والسلطة والمعرفة. ولكن ربما الأهم من ذلك، شرح كلاهما فلسفة تاريخ العالم بالاستناد إلى النماذج المعرفية لعصريهما بهدف فتح مسارات جديدة لفهم وضع البشر في العالم.
المقالات التي يتضمنها الكتاب هي: "المدينة والقانون: جوانب نقد ابن خلدون للفلاسفة" لليوناردو كيبزون، وفيه تناول كيف كشف تاريخ القراءات الخلدونية في القرن العشرين عن قدرة تحليلية لغير المستشرقين أكبر من تلك التي أظهرها المستشرقون، إلى جانب تصوراته عن التطور التاريخي الإسلامي وتاريخ العالم.
ومقال "الاختلاف والهجرة والتبادل الثقافي عند فيكو" لرافاييل كاربون، وفيه يعود إلى كيف تناول فيكو في أعماله التاريخية والقانونية وجود اختلافات كبيرة بين المجتمعات البشرية. من القانون العالمي وما بعده، يقترح الفيلسوف استعادة تاريخ الأمم ويدرك أن السفر والهجرة والتبادل الثقافي أمور تلعب دورًا مهمًا في تقلبات الشعوب. في هذا الصدد، تهدف هذه المقالة إلى تشريح مسار نية فيكو وإظهار أنه لا يبدو أنه يهمل الاختلافات الثقافية أو أهمية التبادلات الثقافية في تاريخ البشرية.
ومقال "نبي الحكمة الإلهية؟ - جيامباتيستا فيكو وبناء أسطورة فيثاغورس" وهو مساهمة من الباحث ماركوس ألكسندر لينز يعود فيها إلى كيف استُقبلت كتابات جيامباتيستا وإعادة التفكير في فيثاغورس، واستخدام الكتاب وعلماء الآثار والمؤرخون العلم الجديد لفيثاغورس كمرجع لمفاهيمهم القومية الخاصة.
أما مقال "مبدأ بدوي للحرية من أجل إيطاليا: ميكيلي أماري يدمج ابن خلدون مع فيلولوجيا فيكو" لماركوس ميسلينج، فيتناول طريقة المؤرخ الإيطالي أماري في التأريخ لمسلمي صقلية (1854-1872) والعودة إلى التاريخ الإسلامي الصقلي بروح تميزت عن كل كتب التاريخ في زمانه بالحرية والمواساة والابتعاد عن كل ما يحجبه التدهور الثقافي.