في المسرح، كما في بقية الفنون، يوجد خيط فاصل بين مقاربة الواقع حرفياً وعملية تمثّله فنياً، حيث لا يمكن منح صفة "المسرحي" لكل عمل يجري تجسيده على الخشبة.
بسقوط هذا الوعي في ذهن الكاتب أو المخرج المسرحي، لم يبق أمام العمل سوى خيارين، إما أن يترك الواقع جانباً ويأتي بعمل يكون مبرّره إخراج الجهور من الروتين اليومي، أو أن يصبّ هذا الواقع ضمن عمله، لنجد أنفسنا حيال هذا الواقع بحذافيره.
لعلّ الخيار الثاني هو الذي فضّله عوض الفيتوري، مخرج مسرحية "القنّاص" التي عُرضت قبل يومين على خشبة "المسرح الوطني" في بنغازي ضمن فعاليات "أسبوع بنغازي الثقافي"، وعلى هامش واقع مشحون بالاقتتال اليومي.
تقدّم المسرحية حبكة مبسّطة عن شابين يقاتلان في الجبهة، يترصّدهما قنّاص، ضمن عملية توظيب ركحي قريبة، في كل إحالاتها، لما تعوّد المشاهد أن يراه ويسمعه في شوارع بنغازي من متاريس وبقايا خراطيش وأصوات إطلاق نار بصفة عشوائية.
حين يكون العمل بهذا القرب من الواقع، يصبح عملة متاحة للتوظيف السياسي، وهذا ما نلمسه، مثلاً، في تصريحات المنظّمين بأن المسرحية تهدف إلى مساندة الجيش، من بين بقية أطراف النزاع، وهو ما لم يصرّح به أي من المشتغلين في العمل.
ألا يؤكد ذلك بأن الحياة الثقافية في ليبيا، محكومة بنفس عقلية الاقتتال التي نجدها سواء على المستوى سياسي أو الميداني بين مختلف الميليشيات وأطراف النزاع؟ للأسف، لا تخرج ليبيا من هذا الواقع حتى من خلال خشبة المسرح.
اقرأ أيضاً: مُختبر بنغازي للسيميائيات.. والأمل