-عضو في البرلمان المصري: تأسّست المملكة العربية السعودية عام 1932، في حين أن مصر دولة ذات تاريخ وحضارة تتجاوز 7000 عام، أي قبل إنشاء السعودية، فلمن كانت تبعية جزيرتي تيران وصنافير طوال تلك الفترة؟
-الحكومة: كانت تتبع قبيلة قريش.
هذا الحوار ليس فصلًا من مسرحية كوميدية، ولكنه فصل من سيناريو تمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تنازلت مصر بمقتضاها عن جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين للسعودية بعد موافقة البرلمان المصري أمس الأربعاء.
ورغم أن عملية تمرير الاتفاقية في مجملها أشبه بمسرحية كوميدية عبثية، حيث نشاهد للمرّة الأولى- ربما- حكومة وجيشًا وأعضاء برلمان يدافعون عن تنازل دولتهم عن جزيرتين استراتيجيتين لدولة أخرى بشراسة وحماس أكثر من الدولة الأخرى نفسها، رغم هذا إلا أن المسرحية حافلة بفواصل كوميدية سوداء تجعل المرء يتساءل: هل يمكن أن تخطر مثل هذه المشاهد في عقل مؤلّف مسرحي حقًا؟
المشهد الأول: دولة القانون
"لا حجية لحكم مع مجلس النواب، الأحكام التي صدرت لا تخصّ إلا القضاء، لا يعنيني أي حكم هو والعدم سواء"، كان هذا رد أستاذ القانون رئيس مجلس النواب علي عبد العال، على النوّاب القائلين بأن المجلس ليس من حقه مناقشة اتفاقية حكم القضاء المصري ببطلانها، وأكد خلال حكمه أن الجزيرتين مصريتان.
وقالت الحكومة في التقرير الذي أعدته لإقناع أعضاء البرلمان بسعودية الجزيرتين: إن حكم القضاء الإداري المؤيّد من الإدارية العليا جانبه الصواب وخالف حكم القانون وتطبيقات المحكمة الدستورية العليا.
لسنوات طويلة كانت الحكومة ومؤيّدوها يتّهمون المعارضة بعدم احترام أحكام القضاء المصري، بل وكان يتمّ محاكمة من ينتقد أحكام القضاء بتهمة "إهانة القضاء". هذه المرة خرجت الإهانة من أستاذ جامعي في القانون ورئيس السلطة التشريعية، وخرج الانتقاد من الحكومة نفسها في تقرير رسمي، ومر الأمر مرور الكرام بل ووجد من يبرّره ويصفق له.
المشهد الثاني: تخوين رافضي التنازل
"روحي.. خدي من قرايبك الأمريكان فلوس عشان تتكلّمي"، كان هذا نص اتهام وجهته النائبة غادة عجمي - المؤيدة للاتفاقية- للنائبة نادية هنري بسبب دفاع الأخيرة عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير.
كما وجّه رئيس البرلمان علي عبد العال اتهامًا بالتخريب إلى رافضي الاتفاقية بعدما اعترضوا على طريقة إدارة الجلسة، قائلًا: "إن الإعلام يرصد ماذا تخرّبون".
وتهكّم النائب مرتضى منصور على شهادة مستشار التحكيم الدولي هايدي فاروق حول مصرية تيران وصنافير، قائلًا: "عايزين نشوف خطاب تكليفك من المخابرات العامة بالبحث عن ملكية تيران وصنافير ونعرف إنتي من أنهي بلد".
هكذا أصبح رافضو التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، التي أكدّت المحكمة الإدارية العليا مصريتهما، متّهمين بالخيانة والتخريب، ممن وافقوا على التنازل عنهما.
المشهد الثالث: تحيّز واضح
قالت مستشار التحكيم الدولي هايدي فاروق، التي عملت مسؤولة عن ملفات الحدود المصرية بجهاز المخابرات العامة، إن لديها وثائق من الأرشيف الأميركي والبريطاني تؤكد مصرية جزيرتي تيران وصنافير وتريد عرضها أمام النوّاب، فردّ عليها رئيس مجلس النواب علي عبد العال إن "الوثائق الأجنبية ليس حجة علينا، وأن الوثائق التي يعتد بها في مناقشات اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية هي وثائق وخرائط القوّات المسلحة والجمعية الجغرافية فقط".
وكيل مجلس النوّاب سليمان وهدان، قال إن لديه شهادتين تؤكّدان سعودية جزيرتي تيران وصنافير، أحدهما من هشام يحيى، أحد مستثمري جنوب سيناء، الذي يقول إنه التقى بالرئيس مبارك عام 2006 ودار بينهما نقاش بشأن الجزيرتين، وأبلغه مبارك بأنهما سعوديتان، ولكنه لم يقم بتسليمهما لهم إلى الآن.
والشهادة الأخرى من أحد ملاك المراكب من بورسعيد، وقال فيها إنه في عام 1986 تم ضبط مركبه، وتواصل مع نائب الدائرة للقاء رئيس الوزراء للإفراج عن المركب، إلا أنه رد عليه بأنه لا يستطيع أن يتدخّل لأن الأرض التي تم ضبط المركب فيها سعودية، في إشارة إلى تيران وصنافير.
وكان تعليق علي عبد العال على كلام وهدان: "شهادتان مهمّتان من وكيل المجلس الذى يمثل حزب الوفد".
وهكذا أصبحت الوثائق التاريخية، التي جمعتها متخصّصة عملت في جهاز المخابرات العامة للدولة، ليست حجة على مصرية الجزيرتين، في حين أصبحت شهادتان أرسلهما أشخاص لا يوجد دليل على أنهم موجودون أصلًا "شهادتين مهمّتين".