"الفتوة" العشائرية بغياب قانون الدولة

18 اغسطس 2016
(تصوير: صباح عرار / فرانس برس)
+ الخط -

"في أحد أحياء قضاء الزبير في محافظة البصرة، اصطاد شاب حمامة شاب آخر، الشابان من عشيرتين مختلفتين، قرّرا الجلوس لبحث القضية وتعويض المتضرر، بما يسمى بالـ"فصل العشائري"، عشيرة الشاب المتضرّر لم يقنعها ما دار في "الفصل"، سحب أحد رجالها السلاح وقتل رجلًا من العشيرة الثانية، لم تسكت الأخيرة، قتلت بدورها رجلًا من الطرف الآخر، استمر مهرجان القتل حتى أحد عشر قتيلًا".

تقول نور الصراف، التي تسكن في حي الشهداء في قضاء الزبير في حديث إلى "جيل العربي الجديد". وتضيف: "كان من ضمن حلول التسوية بعد المجزرة، منح الفتيات كزوجات على شكل الغرامة، بما يعرف بالـ "فصلية"، والفتاة التي تُزوج كفصلية تكمل حياتها بذل، لا يتضمن زواجها مهرًا، ولا غرفة نوم مؤثثة، تصبح جارية تحت مسمى زوجة فصلية، لأن شابًا من عشيرتها اصطاد حمامة في السماء".

تتحدث نور عن المعارك العشائرية التي تشهدها محافظة البصرة، تحديدًا في منطقة "كرمة علي": "الحال لم يعد يطاق، تحدث مشكلة بسيطة أو سوء فهم فيلجأ الطرفان كلّ إلى عشيرته، وتبدأ المعارك، لقد ازداد الحال سوءًا في الآونة الأخيرة. أصبحت العشائر تحارب بأسلحة جيش، أسلحة ثقيلة وفي أكثر من مناسبة استخدموا في معاركهم قنابل الهاون والقذائف الصاروخية، وكل ذلك في غياب للقوات الأمنية التي لا تجرؤ على التدخل في نزاع بين عشيرتين، لما تمتلكه العشائر من سلطة وقوة تسليحية قد تحول النزاع إلى حرب شوارع طاحنة".

الأحياء السكنية في العديد من محافظات العراق الجنوبية أصبحت ساحات معارك للتصفيات العشائرية، ومع شيوع ظاهرة الاقتصاص العمومي (أن يتم قتل أي رجل من العشيرة المدانة، حتى وإن لم يكن له علم بالأمر) يقتل المئات من الشباب.

كاظم عطوان، كان شاهد عيان على إحدى المعارك بين عشيرتي "المواجد" و"ألبو غانم" في قضاء الكحلاء التابع لمحافظة ميسان، يروي لـ"جيل العربي الجديد" تفاصيل المعركة: "بدأت باعتراض سيارة تابعة لعشيرة ألبو غانم من قبل المواجد الذين ظنوا أن راكبي السيارة أرادوا قتالهم، أطلقوا النار وقتلوا أحد الركاب، عشيرة القتيل أحضرت ألف رجل وأشعلت معركة استمرت لعدة ساعات، استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة، لم تستطع الشرطة المحلية التدخل، استقدمت قوة من الجيش تابعة لقيادة عمليات الرافدين مسنودة بالطائرات لإيقاف المعركة، وعثر الجيش أثناء تفتيشه على دفاعات أرضية ثنائية كانت تستخدم من ضمن الأسلحة".

يضيف عطوان "هذه النزاعات ليست جديدة، لكن مؤخرًا باتت العشائر تشتري أسلحة حديثة، وأصبح شبانها المنتمون إلى القوات الأمنية أفرادًا فاعلين في جيوشهم العشائرية، الكثير من المدنيين يُقتلون إما اشتباهًا أو بدعوى الانتماء لعشيرة مدانة، بعض عائلات القتلى لا يعرفون لماذا قتل أولادهم".

من جانب آخر، انتشرت مؤخرًا صورة لدورة مياه عمومية كتب على بابها "مطلوب دم"، فجّرت سيلًا من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعية، وعبارة مطلوب دم تفيد بأن صاحب هذا المكان مدان عشائريًا.

يتساءل أحد المعلقين على الصورة: ماذا فعلت دورة المياه المجرمة؟ وتحصد بيوت وعيادات الاطباء حصة الأسد من عبارة "مطلوب دم"، إذ يتحدث أحد الأطباء (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) عن ردود أفعال عائلات من يموت من المرضى داخل المستشفيات أو المراكز الصحية، قائلاً: "جميع أطباء قسم الطوارئ في المناطق النائية يشعرون بخطر على الدوام، حالات اعتداء عديدة حدثت ضدهم من قبل ذوي المرضى، متهمين الأطباء بالتقصير، بعض الأطباء قتلوا بسبب موت الحالة، وأغلب المعتدين متحصنون بسلطة عشائرية ولا يمكن ردعهم، قبل أسبوعين توفي رجل عجوز في الثمانين من عمره، كانت حالته حرجة أثناء دخوله المستشفى وقد أصيب بالعديد من الجلطات، مات بعد حوالي ربع ساعة من مجيئه، وقام ذووه بالاعتداء على الطبيب الخفر بالضرب متهمين إياه بقتله، كادوا أن يقتلوه لو لا قيام زملائه بتهريبه من الباب الخلفي".

أحد المقربين من شيخ عشيرة كبيرة في العراق، يقول في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، مفضلًا عدم كشف اسمه، إن "الانتخابات في العراق دخلت مفهومًا جديدًا عشائريًا، وصار ناخبو المرشح هم أفراد عشيرته، وبهذه الطريقة تعود العشيرة إلى المسؤول في احتياجاتها، ويعود المسؤول إلى العشيرة في أزماته، ما يمد الاثنين بسلطة قوية في الشارع والساحة السياسية، كما حصل مع محافظ ميسان المنتمي لعشيرة "الفرطوس" حين استغل سلطته في نزاع عشيرته مع "ألبو علي"، مؤكداً أن "الدولة لا تخاف من العشيرة، لقد انتهى دور العشائر والقبائل في اغلب دول المنطقة، لكن النظام الانتخابي هو ما يوثق المصلحة المشتركة بين الطرفين".

ويشير إلى "حاجة المواطن إلى سلطة تسترد له حقه، لا يمكن القول إن النظام العشائري عادل، لكن بالوقت نفسه نظام الدولة غير عادل أيضًا وغير فاعل، لذا يبقى دور العشيرة مهمًا في حياة المواطن الباحث عن حقه في ظل هذه الفوضى، ولن تهمه عدالة العشيرة، حتى لو اقتصت من أقرباء غريمه من الدرجة الخامسة!".

المساهمون