"الغيمة رقم 9"

28 مارس 2015
"هل أبحثُ عن غيمةٍ أُخرى؟" (Getty)
+ الخط -

لا أرى ولا أشعر. أتقلّب على سريرٍ لن تُحبّه أمي أو جدتي اللتان لم تتنازلا بعد عن كيّ الشراشف قبل مدّها على الفراش. لا أنام. بعد قليل، أستيقظُ من دون أن أكون قد غفوت. حتى هذه الساعات ليست ملكي. أُشفق على آخرين وأُشفق على نفسي من بعدهم. أُفكّر كم أتردّد في موقفي من المطر. أحبّه، لكنني لا أسمح له أن يبلّل شعري. أحتاطُ دائماً. أين تكون المتعة في الاحتياط من الأشياء؟

أسألُهُ إن كان ما زال يحبّني. ضجر من السؤال. لا أفهم لماذا يتعبون من الإجابة. هل يكون الحب منهكاً أحياناً؟ ربما. أراه يقفزُ أمامي ليشير إلى وقوعي في خطأ التعميم كعادتي. أُخفي عنه أنني أرى في خطئي صواباً أحياناً. أحبّ تكرار الأشياء. كأنّني أعيش إحساساً واحداً عشرات المرات. تنتهي الأغنية فأُعيد تشغيلها. أحبّ الوقوف على مسرح. أعشقُ أن تغمرني عيون الحاضرين. لا يهم إن كانوا طيبين أم لا. أحتاج فقط إلى غمرتهم. كلّ يوم، أغمض عيني في الوقت المناسب حتى لا يفوتني عناقهم. يريحني أنني ما زلت قادرة على تحديد الوقت.

يقولون إن حرباً أهلية ستقعُ في اليمن. سأقول بدوري عبارة يمكن أن تصنّف مجرّد "كليشيه": "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة". كأن الأرض تشغّل الأغنية نفسها عشرات بل مئات المرات. وإنْ وَقَعَت لن أشعر. ملامحي ثابثة، أو ربما يبست. تتحرّك قليلاً بدافع الواجب الاجتماعي لا أكثر. أتخيّلُ نفسي في خيمةٍ أتضوّر جوعاً. أجمعُ الأقمشة من هنا وهناك وأحيكها. أصنعُ الثياب لطفلي الجائع أيضاً. هل صرتُ مستعدة؟ هل كانوا مستعدّين؟ لا ضمانات هنا. نتشارك جميعنا كوكباً واحداً. كيف لنا أن نتعايش؟ طباعنا مختلفة. أحلامنا. مشاكلنا. كل شيء. وإن أدَرْنا ظهرنا جميعاً، إنما نفعل ذلك للتطفّل على آخرين. نغارُ من بعضهم، ونسخر من بعضهم، ونبكي على بعضهم، وقليلاً ما نفرح لبعضهم.

لا يحبّ أن يراهما متعانقين. يسأل إن كانا حقاً يُحبان بعضهما بعضاً. يتمنى أن يجيبا بـ"لا". لا يضمر لهما أي سوء. هو فقط لا يشعر بشيء. فكيف لآخرين أن يشعروا؟ كيف تستريحُ ثغورهم إلى هذا الحد؟ متعبٌ هو ولا يفهمه أحد. يطلقون عليه الأحكام. يا له من غيور وحسود.

أقفُ على الغيمة رقم 9. هكذا سمّى براين آدمز أغنيته. لا يريد أن يتركها. أصعدُ إليها ولا أشعر. كل شيء باهت من فوق. حتى الربيع لم يعد يخلُقُ ألوانه بل يرثها، مثل عقد الجدة أو خاتمها. هل أبحثُ عن غيمةٍ أخرى؟ لا أدري. أفكّر ماذا أفعل في حال نفدت الأقمشة؟ لا يهمّ. فنحن لا نشعر. قد أُعيد تشغيل الأغنية لتمضية الوقت.
المساهمون