عاشت الموسيقى والغناء في الأندلس حقبة ذهبية ما بين القرنين الثامن والخامس عشر الميلادي، وكانت قرطبة مركزاً موسيقياً بامتياز، هذه التي انتقل إليها زرياب وصار يلقّب بالقرطبي.
حول هذه النهضة الثقافية، وتحت عنوان "الغناء والموسيقى في الأندلس إلى نهاية عصر دويلات الطوائف" تلقي الأكاديمية سحر السيد عبد العزيز سالم، أستاذة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، محاضرة في "مركز الفنون" التابع لمكتبة الإسكندرية عند الثانية عشرة من ظهر الغد.
تعود صاحبة "تاريخ بطليوس الإسلامية وغرب الأندلس فى العصر الإسلامي" إلى دراسة المكانة التي احتلّها الغناء في المجتمع الأندلسي، وتستعرض عدّة أمثلة برزت في تاريخ الموسيقى العربية وكان للحضارة الأندلسية فضل في ظهورها ونضوجها؛ من ذلك تجربة زرياب الذي انتقل إلى قرطبة وتلقفته أوساط المدينة ومكّنته من تطوير العود.
تتطرّق الباحثة إلى نشوء فن الموشح الذي ظهر متماشياً مع تحرّر البيئة الجديدة، فتحرّر هو أيضاً من صرامة الوزن التقليدي للشعر ومن قيود العمود المألوف، ودخل على قصائد الموشح ألفاظ من لغات أخرى. وقد اختلف الباحثون حول من ابتكر الموشح وأكثرهم ينسب ذلك إلى مقدّم بن معافى القبري (840-912). وقد عرف الموشح انتشاراً واسعاً في القرن العاشر الميلادي وبرع فيه العديد من الشعراء أمثال عبادة القزاز وأبي بكر بن زهر وابن بقي والأعمى التطيلي وابن باجة وابن الخطيب وابن زمرك.
إضافة إلى الموشحات، ظهرت الأزجال، وهو شعر عامي تخالطه ألفاظ أعجمية؛ وأول من اشتهر به هو أبو بكر بن قزمان (1087-1160)، وهو من أصل إسباني، ومن أبرز الزجالين والزجالات في ذلك العصر: ابن غرلة والزاهد الإشبيلي وابن الحبيب الجزري، ونزهون بنت القلاعي الغرناطية وأم الكرام بنت المعتصم بن صمادح.
من جهة أخرى، اشتهرت إشبيلية بصناعة الآلات الموسيقية، وقد ذكرت مصادر تاريخية ووصفت قرابة السبعين آلة وترية وإيقاعية ونفخية، ما زال متداولاً وبعضها اختفى، ومن بين هذه المصادر التي استفادت منها المحاضرة: رسالة "فضل الأندلس" لأبي الوليد الشقندي، و"الامتناع والانتفاع" لابن الدراج السبتي، و"متعة الأسماع في علم السماع" لأحمد التيفاشي.
كانت الثقافة الأندلسية تعطي مكانة اجتماعية مقدّرة للموسيقيين والمغنين، مثال ذلك تذكر كتب التاريخ خروج الخليفة عبد الرحمن الثاني في موكب لاستقبال زرياب عند وصوله إلى قرطبة عام 822. ومن أشهر المغنين والمغنيات الذين قدموا من المشرق زرقون وعلون ومنصور والعجفاء.
لم يقتصر تشجيع الغناء على طبقة الحكام ولا على طبقة عامة الناس، بل إن كتاباً ومتصوفة ذلك الزمان، شجعوا عليه ورأوا فيه حالة روحية؛ ومن بينهم ابن عربي وابن عبد ربه. تلك الحقبة أيضاً جرى نقل كتابات الفارابي حول علوم الموسيقى إلى اللاتينية، وكان لهذا النقل أثر كبير على الموسيقى في أوروبا.