"العيد الصغير" في المغرب... لكل الميزانيات

04 يوليو 2016
انخفاض الطلب على الحلويات في الأعياد (Getty)
+ الخط -
كم تخصص الأسر المغربية لتغطية مصاريف عيد الفطر، خاصة ما يتعلق بالملابس والحلويات والأطباق التي تزيّن مائدة الإفطار؟ الجواب عن هذا السؤال يبدو صعباً بالنظر إلى أن حساب المصاريف مرتبط بنوعية المنتوجات وهل هي مستوردة أم محلية الصنع. في هذا الصدد، يشير عضو جمعية تجار الملابس الجاهزة بالدار البيضاء، رشيد الزوهري، إلى صعوبة تحديد كلفة كل أسرة بسبب غياب دراسات مختصة ترصد مثل هذه المواضيع. "لكن عموماً يتضح حجم الإنفاق مما نلمسه زيادة مهمة في رقم معاملات التجار خلال فترة الأعياد في جميع الأسواق دون استثناء. بل حتى الباعة الموسميون يتمكنون من تحقيق أرباح مهمة، خاصة في الأحياء الشعبية حيث يتمكنون من تصريف منتوجات رخيصة نسبياً حتى وإن كانت جودتها متدنية".
يضيف الزوهري، لـ"العربي الجديد": "في مناسبة العيد تنشط الكثير من المعامل الصغيرة في الأحياء، وينتج أصحابها موديلات كثيرة توجه غالباً لأسواق الواحي والقرى النائية. زد على هذا الكميات الكبيرة من الملابس الصينية الصنع التي غزت الأسواق. هذا أثر بالتأكيد على نشاط المحلات التجارية المنظمة التي تعرض ملابس بنوعية جيدة، وبأسعار مرتفعة. لكن مع ذلك، علينا الاعتراف بأن هذه المنتوجات تساهم في دمقرطة ملابس العيد، وفي إدخال الفرحة إلى قلوب آلاف الأسر محدودة الدخل التي يصعب عليها أن تجد ضالتها في المولات والمجمعات التجارية التي تستقبل ذوي الدخل المتوسط والمرتفع".
ما يخص الملابس ينسحب أيضاً على قطاع الحلويات والكعك الذي يشهد أداءً جيداً خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان إلى حدود ليلة العيد. إذ فضلاً عن المخابز التي تضاعف رقم معاملاتها في هذه الفترة، تنشط المحلات المؤقتة في الأحياء، ما يمكّن من الاستجابة للعديد من الفئات ذات المداخيل المحدودة. يقول رئيس جمعية أرباب المخابز والحلويات، الحسين أزاز، لـ"العربي الجديد": "العيد فرصة مهمة لأصحاب المخابز العصرية وحتى التقليدية لتسجيل زيادات في الأرباح. وبالموازاة، تنشط العديد من المحلات التي تقدم خدماتها في هذه الفترة فقط. صحيح أنه يصعب مراقبتها وضمان جودة ما تنتج، لكن على مدى عقود كانت هذه المحلات مكانا يجد فيه البسطاء ضالتهم، ويتمكنون من اقتناء ما يلزمهم ويتناسب وقدراتهم الشرائية".
في سوق "الحفارين"، في قلب العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، المئات من الآباء والأمهات يتنقلون بين الحوانيت بحثاً عن ملابس تناسب ميزانياتهم وتنال رضى أبنائهم. في هذه السوق القديمة كانت حميدة الطهري، ربة أسرة من 3 أطفال، ترافق ابنيها عادل (خمس سنوات) وعدنان (سبع سنوات). علامات التعب بادية عليهما من كثرة المشي، ووالدتهما تحثهما على المزيد من الصبر عسى أن تنتهي من رحلة التسوق هذه بأقل الخسائر.


تقول لـ"العربي الجديد": "أنا هنا منذ الظهيرة، تعبت من البحث عن ملابس بسعر يناسب ما تمكنت من توفيره للمناسبة. لكن مع الغلاء الموجود، قد أضطر للعودة لاحقاً بعد أن يتسلّم زوجي السلفة التي طلبها من صاحب عمله. والحمد لله أن ابننا الأكبر لم يعد يهتم بملابس العيد وإلا لتعقدت الأمور أكثر".
لا ترغب حميدة في خوض مغامرة طلب قرض من مؤسسة للسلفات الصغرى كما تفعل زميلاتها في العمل، تفضّل أن يأخذ زوجها مقدماً عن أجره من صاحب معمل صيانة آلات الخياطة حيث يعمل، على أن تجد نفسها متورطة في سلف تطول مدة أدائها بفائدة مُبالغ فيها. وتقول: "لا أتصور أن ألجأ إلى شركات القروض من أجل مناسبة مماثلة، رغم أن عيد هذه السنة يتزامن مع العطلة الصيفية وبالكاد تمكنّا من تدبير مصاريف شهر رمضان. ثم لاحقاً سيأتي عيد الأضحى متزامناً مع الدخول المدرسي. يعني حتى لو لجأنا إلى مؤسسة سلف فلن نتمكن من تغطية كل هذه المصاريف. لهذا نفضّل أنا وزوجي أن نوفر مبالغ صغيرة من مصروفنا الشهري في كل مرة تتاح لنا الفرصة، وهي طريقة نعتمدها منذ الأيام الأولى لزواجنا قبل 17 سنة".
"هذا أفضل بكثير من تراكم ديون لا نستطيع سدادها"، يقول العربي، زوج حميدة، ويضيف: "مؤسسات القروض تجتهد لإقناع زبائنها وتقدم إغراءات لا حصر لها، لكن في محيط عملي أعرف أشخاصاً كثر أحيلت ملفاتهم إلى المحاكم، وأجبروا على أداء ما بذمتهم".
ويضيف موجها كلامه لزوجته: "تعرفين زميلي حسن، اضطر إلى توقيع أوراق تخول شركة القروض أن تقتطع من أجره مباشرة قبل أن يحوله صاحب العمل إلى حسابه. والمسكين يضطر إلى العمل ليلاً على سيارة أجرة حتى يتمكن من تأمين حاجيات أسرته". ليختم: "نسعى أنا وحميدة لإسعاد أطفالنا، لكن الأهم هو أن نقتني ما يناسب مستوانا الاجتماعي ولا نتجاوز الحدود المسموح بها لمن هم في وضعنا".
على خلاف حميدة وزوجها العربي، يلجأ آلاف المغاربة للاستدانة من أجل التمكّن من تغطية مصاريف العيد، وكثيرون يجدون ضالتهم في مؤسسات القروض التي توفر عروضاً متنوعة لقروض بأقساط مريحة وحتى مؤجلة الأداء. هي في عمومها قروض استهلاكية. ولا غرابة أن دراسة أنجزتها جمعية مهنيي شركات التمويل تفيد بأن "ثلاثة مغاربة من أصل أربعة استفادوا من قرض استهلاك أو قرضين، ومغربي من أصل 5 لديه أكثر من قرضين استهلاكيين، في حين يلجأ ثلثهم إلى قرض ثالث ليتمكنوا من تسديد أقساط القروض الأصلية".
عن هذه الدراسة، يقول فؤاد عمراني، مسؤول خدمة ما بعد البيع في مؤسسة للتمويلات: "خلال العشرية الأخيرة تغيّرت عادات المغاربة الاستهلاكية، وكان لزاماً أن تواكب شركات القروض هذه التحولات، سواء على مستوى أنواع القروض المقدمة أو على مستوى التسهيلات التي تمكّن حتى الفئات محدودة الدخل وتلك التي لا تتوفر على ضمانات من الولوج إلى القروض".
المساهمون