وحتّى اليوم، ما زالت الحافلات التي تنقل اللاجئين من مدينة إسطنبول نحو الحدود اليونانية مستمرّة في نقل اللاجئين، وسط ظروفٍ إنسانية قاسية، وتسجيل مقتل لاجئ على الحدود، بعد إطلاق النار عليه من قبل الجانب اليوناني، خلال محاولته اقتحام الحدود.
وبحسب مشاهدات "العربي الجديد"، فإن طريق الرحلة يبدأ من وسط إسطنبول نحو الحدود بالحافلات، في رحلةٍ تستغرق نحو أربع ساعات، تليها مسافة حوالي ساعة مشي على الأقدام نحو النقاط الحدودية.
يتحدر اللاجئون من جنسيات مختلفة: أفغان، عراقيون، صوماليون، وسوريون وإيرانيون، تم توزيعهم على عدد من المنافذ الحدودية، إذ تجمهروا هناك، وسط تشديدات من الجانب التركي.
علي إدريس، من اللاجئين الذين حاولوا دخول اليونان، ولكنّه فشل حتّى الآن، يقول لـ"العربي الجديد": "اليوم كان هناك تجمع للاجئين السوريين، عددهم يقرب من 500 لاجئ، في منطقة إبسلا، تقدموا نحو الحدود اليونانية التركية، لكن الجيش اليوناني استخدم العنف بشكل غريب وغير مسبوق".
يؤكّد علي أن الجيش اليوناني أطلق في البداية الرصاص المطّاطي على اللاجئين في المنطقة، بالتزامن مع إصرار اللاجئين على البقاء وعدم تراجعهم. ولكن الجيش اليوناني صعّد، اليوم، وبدأ باستخدام الرصاص الحي المستخدم في بنادق الصيد، لكن لم يمنع هذا الأمر الناس من التقدم.
خلال إطلاق الرصاص، كان هناك شاب يتقدم إلى الصف الأول اسمه أحمد أبو عماد اخترقت رصاصة حية حنجرته أطلقها الجيش اليوناني وفارق الحياة على أثرها.
يتحدّث علي عن رحلته قائلًا: "حاليا لم يبق أحد في النقطة والأتراك ساعدونا بالعودة، بعدما كنا قد قطعنا نهر ماريتش، على الحد الفاصل بين اليونان وتركيا، لكنّنا عدنا للأراضي التركية بعد النهر كي نستطيع العودة للمدن التي كنا فيها".
كان علي حاضرًا عند إطلاق الرصاص على أحمد، ومنذ يوم أمس، كان الشاب أحمد موجودًا على الحدود، وتمكّن من قطع ضفّة النهر بالزورق نحو اليونان، وكانت هناك مجموعة مهرّبين يقولون للناس اركبوا بالزوارق كي تقطعوا النهر، ثم يجبرونهم على الدفع، إذ يدفع الشخص 50 ليرة تركية (8.4 دولارات أميركية).
أما عائلة مصطفى، فقد شعرت بالخوف بعد اتصال ابنها الأصغر محمد (13 عاما)، بها وإخبارها بأنه أصبح على الحدود اليونانية - التركية.
يقول مصطفى، وهو الشقيق الأكبر لمحمد ويعيش في مدينة إسطنبول، لـ"العربي الجديد": "غادر محمد البيت عند الساعة 11 صباحا، وتأخر بالعودة، فظننا أنه عند أقارب لنا، لكنّنا فوجئنا باتصاله عند الساعة الثامنة مساءً ليخبرنا بأنه أصبح على الحدود اليونانية - التركية وأنَّ أشخاصا أخذوه إلى هناك، وهنا أصبنا بحالة من الذهول".
يضيف مصطفى: "لدي شقيقان قُتلا في سورية، ولا نرغب في خسارة المزيد من أفراد عائلتنا، ولكن شعرنا بالاطمئنان عندما علمنا أن شقيقي أحمد يرافق عائلة سورية هناك تقوم برعايته، وعندما تتاح له الفرصة يتصل بنا ويخبرنا عن حاله".
حتّى الآن لم يستطع محمد قطع الحدود اليونانية بسبب إطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع، وفي الصباح توجه والده إلى الحدود ليتمكن من إعادته.
يعتبر مصطفى أنّه كان على المعنيين أن يمنعوا هذا الطفل القاصر من الوصول للمنطقة، ولا يجب أن يسمحوا بذهابه وحيدًا، مضيفًا: "نحنا غادرنا سورية لنحصل على شيء من الأمان لا لأجل أن نخسر شقيقنا، وإلا فالأولى بنا أن نعود ونموت تحت الصواريخ".
منذ اللحظة الأولى لفتح الحدود، توجّه الصحافي السوري خالد سميسم برفقة اللاجئين إلى معبر "أبسلا" ومعابر أخرى لتغطية ما يجري هناك.
يقول خالد: "توجهنا للحدود التركية اليونانية بعدما علمنا باتجاه اللاجئين نحو الحدود اليونانية التركية. وصلنا لمدينة أبسلا ودخلنا المعبر، قالوا لنا إنهم لن يسمحوا بدخول المعبر، وطُلب منّا أن نتوجه إلى نقاط عبور غير رسمية. هي نقاط تقع في أراضٍ زراعية. كانت ترافقنا خمس حافلات، أضعنا طريقنا واتجهنا مع حافلتين لإحدى النقاط، أما الحافلات الثلاث الباقية، فلم نعلم إلى أين اتجهت".
الحافلتان اللتان رافقهما خالد كان فيهما نحو 200 شخص، منهم سوريون وجزائريون ومغاربة وعدد قليل من الأفغان، توقّفت الحافلتان على بعد 2 كيلومتر من نهر ماريتش، وعلى الرغم من أن النهر لم يكن عميقًا لكن اللاجئين فشلوا في عبوره بسبب وجود أعداد كبيرة من النساء والأطفال، فتراجعوا قليلًا وحاولوا البحث عن مكان يمكنهم منه عبور النهر، لكنهم فشلوا، وبعد ساعتين ونصف من السير في المنطقة علموا أن المكان الذي يحاولون العبور منه كان خاطئا، وأن النهر بحاجة لزورق كي يتمكّنوا من قطعه.
بعد ذلك، عادت المجموعة إلى الأوتوستراد الرئيسي بالقرب من المعبر، وحاولت إشعال النار لتأمين الدفء للأطفال، وكان المطر قد بدأ بالهطول وقتها.
في هذه الأثناء، حاول المهربون التجمع حول مجموعة اللاجئين ومضايقة الناس كي يدفعوا لهم المال ويقطعوا الحدود بواسطتهم، فاضطروا إلى ترك المنطقة والاتجاه إلى نقطة كانت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية قد أنشأتها، ولحسن الحظ أن شخصا من المنظمة كانت معه سيّارة فيها مياه وعصير وبعض أنواع الكيك حيث أطعموا الأطفال منها، وبعدما تجمعوا مرّة أخرى واصلوا المشي لمسافة 15 كيلومترًا نحو الحدود.
يضيف خالد: "عند وصولنا إلى النقطة ازدادت الأحوال الجوية سوءًا بينما كانت حافلات جديدة تصل إلى المنطقة القريبة من النهر الفاصل بين تركيا واليونان، وكان الجيش التركي قد منع التصوير".
يتابع: "في اليوم التالي، عدنا للنقاط نفسها في ساعات الصباح الأولى، وكان عدد السوريين قليلا جدًا، إذ غادر معظمهم، وصلنا إلى نقطة عسكرية ينتشر عندها حرس الحدود الأتراك، سألناهم عما إذا كان بإمكاننا العبور منها نحو الأراضي اليونانية؟ فأبلغونا بأن العبور ممكن لكن دون إمكانية عودة، وهذه النقطة تبعد عن الحدود اليونانية نحو 1 كيلومتر، وعلمنا أن من دخل للمنطقة لا يمكنه العودة كونه توجه لمنطقة فاصلة بين البلدين.
أمس، عاد خالد إلى منطقة معبر أبسلا وكان هناك قرابة 500 شخص، لم يكن أحد قد تمكن من الدخول للأراضي اليونانية، وبعدها اتجه نحو قرية تركية قريبة من المنطقة، وجد فيها مهاجرين سوريين، وأخبروه بأنه عند وصولهم إلى الأراضي اليونانية تعرضوا للضرب وسلب ما يملكون من قبل الجيش اليوناني، حتى أن أحد الأشخاص كان يلتحف ببطانية فقط دون أي ملابس، فقد سلبه الجيش اليوناني ملابسه، كان ينتظر قرب مبنى البلدية في البلدة.