"العربي الجديد" يرصد صباح بغداد بعد يوم دامٍ

بغداد

علي الحسيني

avata
علي الحسيني
03 يناير 2017
3FADBDC0-4D57-4EF8-A359-435A019F2C17
+ الخط -



كان يتحدث مع نفسه في الشارع شبه الخالي من المارة المتوجهين إلى عملهم، صباح اليوم الثلاثاء: "لن نتبخر لعنكم الله، سأعود وأفتح محلي مرة أخرى. هل تريدون أن نجلس في منازلنا وننتظر الموت... هذا مستحيل"؟

بتلك العبارات كان يتمتم الحاج أحمد علي (51 عاماً) وهو يجمع حطام الزجاج المتناثر من واجهة محله التجاري بعد اعتداء إرهابي ضرب، أمس الإثنين، ضاحية الصدر شرقي بغداد، خلف عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.

ويجتمع جيران الحاج أحمد حوله وعدد من المارة (بعضهم غرباء) لمساعدته على رفع باب المحل المحطم، وجمع معلبات وبضائع في متجره، في حين باشر أحدهم في تنظيف المكان من آثار الدماء.

ويؤكد الحاج علي لـ"العربي الجديد" إصراره على الخروج من منزله، ويراهن على أن جاره فاضل والباقين سيأتون إلى السوق أيضاً والباقين، فالانفجار ليس الأول الذي يضرب المنطقة ذاتها.

وتعرضت العاصمة العراقية بغداد وعدد من مدن البلاد إلى موجة اعتداءات إرهابية، يوم أمس الإثنين، خلفت عشرات الضحايا، في الوقت الذي تبدو فيه قوات الأمن عاجزة عن إيقاف تلك التفجيرات رغم تحديث خطة أمن العاصمة للمرة السادسة على التوالي في غضون أقل من أربعة أشهر.

وبدت أغلب المناطق التي تعرضت لتفجيرات، يوم أمس، عبارة عن خلية نحل تعمل على تنظيف الشوارع ورفع حطام السيارات المتفحمة أو إزالة دماء الضحايا، وسط مهاجمة البلدية التي تأخرت عن أداء المهمة.


ويوضح سعد وحيد الطائي، أحد تجار سوق السنك الذي تعرض لاعتداء إرهابي راح ضحيته العشرات لـ"العربي الجديد" إن خروجه إلى الشارع وعودته للعمل في نفس المكان هو رد على "داعش" ودعاة الإرهاب جميعهم.

ويضيف "على هذا الجنبر (عربة يستخدمها الباعة الجائلون) كان يعمل الشاب عمر وهو في مقتبل العمر ليجمع تكاليف زواجه، قتل في التفجير أمس. ويمكن أن ترى أن الدماء هنا لا تقتصر على طائفة واحدة بل قتل فيها السني والشيعي والمسيحي، مثل العم توما المعروف بيننا بأنه بركة السوق وتاريخه فيها بقدم هذا السوق".

ويستدرك "رحمه الله طالما أطربنا بأغاني صباح فخري، ارتاح الآن بالتأكيد من قهر البعد عن أولاده الذين هربوا خارج العراق وتركوه وحيداً بعد وفاة زوجته، وارتاح من مضايقات البلدية اليومية له".

في شارع تجاري جنوب بغداد رفعت يافطة حملت أسماء سبعة مدنيين، بينهم ثلاثة أشقاء قتلوا في أحد التفجيرات. وكتب في النعي "أيها الإرهابيون الأغبياء أنتم عاجزون حتى لو قتلتمونا فإننا سندفن في أرضنا ولن نتركها".

وفي حين ينشغل سكان الحي بنصب سرادق العزاء في مدينة الصدر لست ضحايا يسكنون في زقاق واحد، يتوعد والد أحدهم ويدعى مالك العتابي: "أبلغوا الجميع أن أي سياسي يريد أن يصل عزاء الضحايا اضربوه بالأحذية وعلى مسؤوليتي، عليهم البقاء داخل كوكب المنطقة الخضراء، يتنعمون بأموالنا، أولادهم في أوروبا وأولادنا صاروا تحت التراب، لعنهم الله ولعن أميركا التي جاءت بهم".

وبينما يهم فريق "العربي الجديد" بمغادرة المكان استوقفتهم ابتسامة رجل ستيني على الرصيف، وهو يراقب العراقيين، بينهم من يغسل الشارع وينظف المكان ومنهم من يعيد فتح متجره. سألناه عن سر تلك الابتسامة فقال: "أبتسم لصلابة هذا الشعب المسكين وإصراره على الحياة، وأبتسم لأن ابني الذي أتوسله لتنظيف حديقة البيت، أراه يغسل الشارع ويرفع الأنقاض... الحمد لله، بالتأكيد سينتهي هذا الوجع ولو بعد حين".