ماذا حدث في الموصل؟ كيف سقطت ثاني أكبر مدينة في العراق بسرعة في يد المسلحين؟ سؤالان يبحث المهتمون بالشأن العراقي وتطوراته الأخيرة الإجابة عنهما، بعد أن سقطت العديد من مدن العراق، وأهمها بيجي وتكريت التي تقع على مسافة 160 كم شمال غرب بغداد في يد المسلحين، فيما تدور المعارك حالياً في سامراء وكركوك، وغيرها من مدن العراق التي تتسع فرص المسلحين في السيطرة عليها.
روايات متعددة متضاربة عن الحدث، بعضها يتحدث بأن الخوف والرعب سيطرا على حياة السكان بعد تمكن تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية "داعش" من المدينة، مما أدى إلى تهجير آلاف السكان، لكن اللافت أن بعض الأهالي يمتلكون روايتهم الخاصة للأحداث. يقولون إن المسلحين في اللحظات الأولى من سيطرتهم على المدينة نادوا على السكان بمكبرات الصوت وطالبوهم بالعودة لمحالهم التجارية، وحثهم على الالتزام بعدم زيادة الأسعار، كما طلبوا من الموظفين في الدوائر الخدمية بأن يعودوا إلى دوائرهم الخدمية، وإلى مزاولة أعمالهم، الأمر الذي أشاع جواً من الأمان افتقدته المدينة منذ فترة.
"العربي الجديد" ينقل شهادات أهل الموصل عن كيفية سقوط المدينة، وحقيقة انتماء المسلحين الذين يسيطرون عليها، ويحلل الأسباب التي أدت إلى السقوط في التحقيق التالي من قلب الموصل.
كيف سقطت المدينة
"الأربعاء قبل الماضي بدا طبيعياً بالموصل، الأحوال كانت على ما يرام، لكن الخوف كان يعم المدينة وكان الأهالي في حالة من الترقب والحذر، سرعان ما تم إعلان حظر التجوال في المدينة يوم الخميس، مع بدء المناوشات واندلاع معارك بجانبيها الأيمن والأيسر بين الطرفين المتقاتلين"، يقول الحاج مرتضى – أحد أبناء المدينة قبل الحديث إلينا - ويضيف "يوم الجمعة كان أكثر تصعيداً مع انتشار مقاتلي دولة العراق والشام الإسلامية في الجانب الأيمن من المدينة، وفي حي 17 تموز تحديداً، حيث بدأت المواجهة بين الطرفين يوم السبت والأحد في الجانب الأيمن، واستمرت حتى سقطت المدينة يوم الاثنين الماضي".
مدينة الموصل تقع شمال العراق، ويمر في وسطها نهر دجلة الذي يقسمها الى جانبين، جانب أيمن وأيسر، يتوزع السكان بينهما، وكانت الموصل ضمن المناطق المنظمة للاعتصامات السلمية في العراق، والتي نظمها ناشطون من السُنّة في 6 محافظات عراقية، بعد أن انطلقت من الأنبار في نهاية عام 2012.
شهود عيان على سقوط المدينة قالوا لـ"العربي الجديد" "كنا نتوقع أن يصبح الوضع في الموصل مثل الأنبار والفلوجة، وتستمر المعارك فترة، لكن الجيش سلّم المدينة في يومين فقط ولم تحدث أية معارك قوية".
"المواجهات في بدايتها، السبت والأحد، تخللتها أعمال قصف طالت البيوت والبنى التحتية في المدينة، وتم تهجير الأهالي إلى مناطق أكثر أمناً" يقول الشاب أحمد، الذي يقع بيته بالجانب الأيمن من المدينة، والذي استهدفه القصف ودمَر بيته". مكان القصف استهدف الموصل بجانبها الأيمن، وكانت النيران تأتي من جانب القوات الحكومية في الجانب الأيسر من المدينة، قبل أن تسقط في يد المسلحين ويتوقف القصف".
ويبدي الحاج خالد -أحد سكان الموصل- استغرابه لفرار قيادات الجيش، مثل عبود كنبر، وعلي غيدان ومهدي الغراوي من الموصل، تاركين أسلحتهم ومعداتهم تحت سيطرة المسلحين، وما يثير استغرابه أكثر أن المسلحين سيطروا على مناطق الموصل بجانبيها مع فرض سيطرتهم على المطار الدولي، ومعسكر الغزلاني في يوم واحد فقط!
والفريق أول ركن عبود كنبر، هو قائد العمليات العسكرية في الجيش العراقي، بينما الفريق أول ركن علي غيدان، يعمل قائداً للقوات البرية في الجيش، كما أنه قائد عمليات نينوى، فيما يعد الفريق الركن مهدي الغراوي، قائد الشرطة الاتحادية في الموصل، وكان الثلاثة قد تخلوا عن أماكن قيادتهم وفرّوا إلى أربيل، ولحق بهم بعد ذلك محافظ الموصل أثيل النجيفي.
خوف وارتياح
"على الرغم من أن سيطرة المسلحين على المدينة أرعبت السكان في بداية الأمر، مما أدى إلى نزوح الكثير منهم باتجاه كردستان وأطراف الموصل، إلا أن ذلك الخوف سرعان ما تبدد وتحول إلى أمن وعودة للنازحين". هكذا يقول أستاذ جامعي في جامعة الموصل، رفض الكشف عن اسمه، متابعاً بارتياح "اليوم نعيش في أمن لم نعهده منذ 10 سنوات، خاصة بعد أن أكدت لنا الجماعات المسلحة (الدولة الاسلامية في العراق والشام) أن هدفهم هو إسقاط نظام المالكي وليس إيذاء أي شخص من أهالي المدينة".
وتابع "المدينة الآن تنعم بالخدمات التي حرمت منها، حيث تم فتح الشوارع المغلقة وتزويد الناس بالبنزين والكهرباء والماء، كما أن المسلحين لديهم خبراء عسكريون ومدنيون للحفاظ على أمن وسلامة المدينة".
واتفق المواطن إبراهيم صالح -يسكن في الجانب الأيسر من الموصل- مع الرأي السابق في أن المدينة الآن وضعها أفضل من قبل، وقال لـ"العربي الجديد" كنا متخوفين جداً في البداية وفكرنا في الخروج من الموصل، لولا صعوبة ذلك، لكن الوضع الآن جيد ويبدو أن الدولة الاسلامية جاءت بأجندات مختلفة عما حصل في عام 2006 حيث "أنهم الآن يبدون تعاونهم التام مع الأهالي، ويقدمون الخدمات ويرفضون أي شيء يعكر أو يزعج أهالي الموصل، إلا أن الخوف هو من المستقبل ومما ستؤول إليه الأمور".
أما السيدة أم أسامة، فقالت كنت وعائلتي خائفين جداً مما يحدث، خاصة أننا عشنا سابقاً في محافظة ديالى، ونعرف جيداً ما تقوم به (القاعدة) من قتل وذبح كما تفعله وفعلته بقية المليشيات، إلا أن الوضع لغاية الآن مختلف تماماً، لأنهم أوضحوا أن هدفهم ليس المواطنين أو القتل، وإنما إسقاط حكومة المالكي، إلا أن ذلك لا يعني عدم الخوف، خاصة أن الأمر لا يمكن أن يبقى بهذه الصورة".
أما الشاب منتظر حسام، فقال: ينتابني خوفٌ ممزوج ببعض الارتياح. خوف مما ستؤول إليه الأمور وارتياح من توافر الخدمات بصورة أفضل من ذي قبل، والأمن وفتح الطرق التي كانت تعيق حركتنا، كما أن المسلحين الذين رفعوا أعلام الدولة الإسلامية فوق سيطرات (مقرات) الجيش الحكومي الذي هرب عند الساعات الاولى من دخول المسلحين، وعدوا بفتح المدارس يوم الأحد المقبل، وقالوا لنا لا علاقة لنا بكم، جئنا فقط من أجل إسقاط الحكومة، سوف نتخطى الموصل ونتجه إلى بغداد وديالى وتكريت".
من يسيطر على الموصل
روايات متضاربة عن من يسيطر على مدينة الموصل، لكن الكل مجمع على أن تشكيلاً مشتركاً بين كل الفصائل تحت مسمّى المجلس العسكري بكافة تشكيلاته يسيطر على المدينة، ومن ضمنها تنظيم داعش، إلا أن تكليف العميد الركن المتقاعد السابق في الجيش (هاشم الجماس) بمهمات محافظ الموصل أعطى انطباعاً هو أن النظام السابق مشارك عبر ضباط جيشه الذين يقيم العديد منهم في الموصل.
العسكري – حماد – والذي عمل سابقاً في الجيش العراقي يقول: إن رفض السلطات العراقية طلب التدخل من البشمركة في بداية الأحداث خوفاً من توسع نفوذ كردستان على حساب بغداد أدى إلى تسهيل سقوط المدينة.
وتابع في تصريحات لــ"العربي الجديد": الحكومة العراقية طلبت من الأكراد التدخل والدفاع عن الموصل بعد سيطرة المسلحين عليها، ولكن رفضت القوات الكردية التدخل، لأن المعركة كانت قد حسمت لصالح المسلحين".
ويتوقع حماد، "أن العملية التي جرت في الموصل تهدف بالدرجة الأساس إلى إعلان دولة إسلامية في نينوى، كما هو الحال في الفلوجة غرب الأنبار، بالإضافة إلى تحرير السجناء من سجون الحكومة العراقية الذين مضت عليهم فترة طويلة داخل السجون السرية والعلنية".
ويختلف الخبير العسكري خالد -ضابط سابق في الجيش العراقي رفض ذكر اسمه كاملاً- مع الرأي الذي يقول إن القوة المسيطرة على الموصل هي داعش، ويرى أن القوة المسيطرة هي جيش الطريقة النقشبندية -الجناح العسكري لحزب البعث- بقيادة عزة الدوري نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بمساندة ثوار العشائر وفصائل مسلحة، بمن فيهم تنظيم الدولة الإسلامية.
ويعزو تحليله إلى أن القوى التي سيطرت على الموصل باشرت في بداية عملها بإزالة الصبات الاسمنتية (الكونكريتية) وإلغاء حظر التجوال في المدينة، وطلبت من الأهالي مزاولة أعمالهم، ولم تتدخل تلك القوى في أمور المحكمة الشرعية، كما هو متعارف عن الدولة الإسلامية حيث بقيت الكثير من محلات بيع السجائر، والمقاهي، فاتحة أبوابها، وهو ما ترفضه الدولة الإسلامية وتقيم عليه الحدود.
وتابع، أن الأحياء السكنية التي تسكنها الأقليات، لم تتعرض للخطر كون المقاتلين من أبناء العشائر والفصائل العراقية.
"عشت مع أهلي وأهالي حينا من المسيحيين حالة من الهلع والخوف، عندما علمنا أن الدولة الإسلامية سيطرت على الموصل، وشعرنا أن الأمر نهاية قريتنا "قرقوش"، لكن المسلحين لم يدخلوا إليها"، يقول يوسف يزيد -طالب جامعي مسيحي من الموصل- في حديثه معنا عبر الهاتف، ويضيف: "أعتقد أن عدم تدخل المسلحين في القرية يرجع إلى أن المسلحين الأكراد هم المسيطرون عليها، وأتوقع أن اتفاقية جرت بين الطرفين بعدم التدخل في المنطقة".
الأمر السابق تكرر في قضاء تلعفر، الذي يقطنه خليط شعبي من سنة وشيعة وأكراد وتركمان، فالمسلحون لم يدخلوا إليه، كما نقل شهود عيان: إن المسلحين قاموا بحماية البنوك والجامعة وإعلان معاقبة كل من يقوم بسرقة ممتلكات الدولة في الموصل، الأمر الذي يختلف عما جرى في مدينة الفلوجة التي استهدفت فيها بعض الدوائر الحكومية، كما تم تخريب الكثير من ممتلكاتها خلال الحرب من المسلحين.
عبد الحميد -ناشط إعلامي في الحراك الشعبي للموصل- اعتبر أن سيطرة المسلحين على الموصل تعد الأولى من نوعها في العراق منذ سنوات، حيث لم تستغرق السيطرة على المدينة سوى ساعات قليلة، على الرغم من أن المدينة تعد ثاني أكبر مدينة في العراق من ناحية تعداد السكان والمساحة الجغرافية، وأضاف "أهمية الموصل بالنسبة للمسلحين تتمثل في أن المدينة ترتبط مع سورية من خلال منفذ الحسكة الحدودي؛ الأمر الذي له أهمية كبرى في التأثير على الحرب الدائرة هناك".
وتوقع أن سيطرة المسلحين على معسكرات وقواعد الجيش في الموصل ومغانمهم من العتاد العسكري جعلتهم أكثر قوة، خصوصاً أنهم تمكنوا من السيطرة على مروحيتين عسكريتين، وهو ما يجعل الأيام المقبلة محمّلة بالكثير.