حين بدأنا هذا المشروع وجدنا أنفسنا منذ اليوم الأول وسط محيط متلاطم، وعملنا في ظل أوضاع سياسية غاية في الصعوبة والتعقيد، وكان علينا أن نجيب سريعاً عن عدد كبير من الأسئلة التي واجهتنا، ونجد لأنفسنا أرضاً صلبة نقف عليها وسط غابة من وسائل الإعلام.
في مستهل السنة الثالثة لا نريد مديح أنفسنا، ونكتفي فقط بالأثر الإيجابي الذي عبّر عن نفسه باستجابة وتلقي القراء العرب واستقبالهم لمنبر "العربي الجديد"، الذي أخذ على نفسه رهان تسجيل إضافة جديدة في الصحافة العربية. ومن دون أي ادعاء صار واضحاً أن الاقتراح الذي قدمه "العربي الجديد" بات ورشة مهنية وسياسية وثقافية كبيرة. ويقف هذا المشروع على عمودين، الموقع الإلكتروني والصحيفة الورقية، وهذه هي التجربة العربية الوحيدة حتى اليوم التي تعمل وتسير على سكتين متوازيتين وفق أصول مهنية دقيقة.
هذا الخيار صعب ولكنه ضروري. صعب نظراً للخلط الكبير في عالم الميديا العربية التي لا تزال تعيش وسط حالة تردد تجاه حسم خياراتها المهنية، ومع التردد المزمن والارتباك باتت الأدوات عتيقة وغير صالحة لمواكبة تطورات الميديا في عالم اليوم والتي لا تتوقف عن ارتياد آفاق بعيدة. ومن يتأمل حال الصحافة العربية اليوم يجد أنها متأخرة بأشواط كبيرة على الصعيد العالمي، فلا الصحف الورقية واكبت التطورات المتسارعة في ميدان الحداثة الذي نعيش فيه منذ ثلاثة عقود بفضل الانفجار الهائل في قطاع الاتصالات، ولا المواقع الإلكترونية لبت الشروط التي جاء من أجلها الموقع الإلكتروني كوسيلة إعلامية تقدم الجديد على مدار الوقت في ظل تنافس مفتوح على القارئ.
وحين نطلق هذا الحكم فإننا نعني الشكل والمضمون أي المحتوى وهندسة الموقع. ووسط هذا الخلط اشتغلت تجربة "العربي الجديد" على رسم الحدود الفارقة، وباتت المدرسة العربية الأولى التي نهضت بتحدي تقديم صحافة ورقية متميزة وموقع إلكتروني حيوي وديناميكي وتفاعلي، وكل من راقب طرق عملنا والمنتوج الذي نقدمه، أدرك أن خياراتنا حافظت على ما هو أساسي في هذه المهنة، وهو الصحافة الورقية، بالقدر الذي كرست فيه قسطاً رئيسياً من جهدها لارتياد الفضاء الإلكتروني، منطلقين من وعي لقيمة ودور ومعنى وأهمية كل منهما من دون تعصب أعمى أو ادعاء زائف.
لم يكن الطريق سهلاً على الصعيد السياسي، ومنذ البداية، مثلما كان من الطبيعي أن يكون لـ"العربي الجديد" أصدقاء، ناصبه آخرون العداء، ولكن المواقف العدائية لم تحرفنا عن خياراتنا الأساسية في الانحياز للقضايا الأساسية التي تهم المواطن العربي اليوم في الحرية والديمقراطية والتقدم ومواجهة الاستبداد. ونحن إذ نتفهم ونحترم اختلاف الآخرين معنا في الرأي، ونعتبر حوار الآراء ضرورة في هذه الفترة الفاصلة من تاريخ المنطقة، فإننا نستهجن أن تلجأ بعض الدول مثل مصر والسعودية والإمارات إلى أسلوب منع موقع العربي الجديد، الذي أعادنا إلى الأساليب البالية في محاربة الاختلاف.
إن الاختلاف لا يجب أن يكون سبباً في إقصاء وتهميش الآخر، وإنما عامل غنى وتحفيز ومقارعة الرأي بالرأي، هذا هو موقفنا وسيظل كذلك، ولذلك يحتل الرأي مساحة أساسية من تحركنا وعملنا.
"العربي الجديد" سنة ثالثة على طريق التميز واحترام الاختلاف والرأي الآخر وفي سبيل الحرية، ومن أجل الإنسان العربي الذي كسر حاجز الخوف ونزل إلى الميدان يطالب بالحرية والكرامة.