صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "العراق بعد الفتح الإسلامي" للباحث مايكل ج. موروني (1939) أستاذ التاريخ في "جامعة كاليفورنيا"، عن "دار الرافدين" بترجمة حيدر عبد الواحد راشد، وكانت الطبعة الأولى من الكتاب صدرت بالإنكليزية عام 1948.
يضيء المؤلّف في مقدّمته على الديانة المسيحية في العراق أثناء صعود الإسلام، مستنداً إلى الاحتكاك بين أتباعها والبلاد المجاورة، فالحضارة الإسلامية، من وجهة نظره، أتت لتعكس جملة من التغيرات بدأت في عهد الساسانيين، ما أهلهم للمساهمة في بناء الدولة الحديثة نظراً إلى خبراتهم وما يمتلكونه من معارف وعلوم.
ويشير إلى أن الروابط بين العراق والجزيرة العربية توثّقت منذ القرن الرابع الميلادي، ولذلك استمدّ العرب العديد من الممارسات من النظم الساسانية سواء في مجالات التنظيم العسكري والأمن الداخلي وحيازة الممتلكات، والهندسة العامة، وإجراءات المحاكم، والبيروقراطية الحكومية، والضرائب.
طوّر المسلمون في العراق، بحسب الكتاب، الأنظمة الإدارية السابقة، وكذلك عملتها التي ظلّت متداولة لعدّة قرون لاحقة وعليها صور الأباطرة الفرس حتى ظهر أول درهم إسلامي، كما بقي التقسيم الإداري للولايات في القرون الأربعة الهجرية الأولى هو نفس التقسيم الذي ورثه العرب عن أسلافهم.
يفصّل موروني حالة التعدّد والتسامح التي كرّسها الحكم الإسلامي في تعامله مع جميع المكوّنات في العراق، بحيث كانت العلاقة متينة بين الدولة والمؤسسات التي تمثّل جميع الأديان والطوائف لأسباب متنوّعة، أبرزها الرغبة في استقرار النظام السياسي الذي استطاع أن يستوعب الجميع، خلافاً لأنظمة سياسية معاصرة كانت تمثّل ديناً او جماعة بعينها، إلى جانب تقدير مساهمة غير المسلمين في العديد من مجالات الحياة.
يقارب الجزء الأول الإدارة في ما يتعلّق بالنظرية الإدارية والممارسة والضرائب والجغرافيا، ويتناول الجزء الثاني التركيبة السكانية حيث يضيء على الآراميين والفرس وعرب العراق وعرب الجزيرة العرب والاستيعاب والتغيير والاجتماعي، بينما يتناول الجزء الثالث المجتمعات الدينية من مسيحيين ويهود والوثنيين والمسلمون وتشكيل المجتمع، والمسلمون وعقائد السلطة والتمرد، وخاتمة توضّح طبيعة التفاعل بين مكوّنات المجتمع.