فالنقش على خشب "العرعار" صناعة ذائعة الصيت في مدينة الصويرة التاريخية، يُقبل عليها الصغار كما الكبار، ممارسة أو هواية. إذ تمتدّ مساحات شاسعة من غابات أشجار "العرعار"على ساحل الأطلسي الجنوبي، غرب المغرب، مطوّقة هذه المدينة التي تحتفظ لنفسها بهذه الصناعة، على عكس بعض دول الجوار، كالجزائر وإسبانيا، حيث تنتشر غابات شجر العرعار.
"منذ أكثر من 30 عاماً أنا أمارس هذه الحرفة. بدأتُها كمُتعلِّم صغير في إحدى الورش المجاورة لحيّنا. كنتُ أتردّد عليها كلّما فرغت من دروسي، لكنّني احترفتها بشكل كامل بعد انقطاعي عن الذهاب إلى المدرسة في نهاية المرحلة الابتدائية"، يقول عبد الحيّ، ثم يلتقف قطعة خشبية ينقّيها من الشوائب، مُمعناً النظر في جنباتها، ليتيقن أنّها ملساء لامعة.
هي واحدة من أهم الصناعات التقليدية التي يعتمد عليها اقتصاد المدينة الساحلية الصغيرة. ويكسب معظم سكّانها قوت يومهم مما يجود به عليهم بَحرُها من أسماكٍ يبيعونها في الأسواق. وآخرون يزاولون حِرَفاً تقليدية بسيطة تستهدف السياح الأجانب، أبرزها النّقش على العرعار.
عابر أزقّة المدينة، المثقلة أجواؤها برذاذ البحر، ورياح الأطلسي التي تهبّ قارسة، تتسلّلُ إليه رائحة غراء الخشب القوية، وغُبار النجارة الذي تحمله نسمات المدينة الصباحية العاصفة إلى خارج الورش، مُكوِّنا طبقات بنية ذات رائحة نفّاذة على الحيطان البيضاء، وأبواب المنازل، وطاولات الأكل. فـ"عطر خشب العرعار" مميّز يفوح في كلّ جنبات أحياء المدينة ليكسبها رونقاً خاصاً.
لا تهدأ منذ ساعات الصباح الاولى إلى حدود غروب الشمس أصواتُ الطَّرْقِ الخفيفة التي تتصاعد حين الاقتراب من مداخل الورش المستقرّة في أغلب أزقة المدينة حديثها وقديمها. فلا يخلو حيّ في الصويرة من محلّ لصناعة العرعار أو دكّان لبيعه.
يتباهى أهل المدينة في التعريف عن أنفسهم كـ"حرفيي عرعار" و"صنّاع يتقنون" هذه الحرفة. يحرص الآباء على إرسال أبنائهم إلى "المُعلّمين" المعروفين في المدينة، خلال العطل المدرسية، لتزجية أوقات الفراغ وكسب الخبرة، من دون أن يدفعهم ذلك بالضرورة إلى امتهانهم "النقر" في المستقبل. خصوصا أنّ حال رواجها لا يشجّع كثيرين، على ما يقول بعض حرفيّيها، إذ لم يعد النقش على العرعار حرفة قادرة على سدّ تكاليف الحياة المتزايدة.