لا تكفي أهالي محافظة شمال سيناء كل الأزمات التي يعيشونها، فتأتي الدروس الخصوصية التي تُعَدّ أزمة كبرى في مصر عموماً، لتزيد من معاناتهم. وتكثر شكاواهم.
لا تخلو ميزانيات الأسر المصرية في محافظة شمال سيناء من أرقام مخصصة لتكاليف الدروس الخصوصية التي تُعطى في مراكز تسمّى اصطلاحاً "سناتر"، والتي تمثّل بديلاً للتلاميذ في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في ظلّ ضعف التعليم في المدارس الحكومية. لكنّ المدرّسين هم أنفسهم في المدارس وفي تلك المراكز، الأمر الذي يشير إلى غياب الرقابة الإدارية عن التعليم في المدارس والسماح لـ"السناتر" بالعمل من دون أيّ رقابة.
مع بداية كلّ عام دراسي، تكثر شكاوى أولياء أمور التلاميذ من عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف الدروس الخصوصية التي تتيح لأبنائهم الحصول على تعليم جيّد. يُذكر أنّه في بعض الأحيان، يحتاج التلميذ منذ الصف الأول الابتدائي إلى دروس خصوصية في حال كان المدرّس ضعيفاً في تقديم المادة المطلوبة منه في المدرسة، نظراً إلى أهمية تلك المرحلة الأساسية في البناء التعليمي للطفل.
على الرغم من أنّ الأزمة ممتدة في مصر، فإنّها تأتي بطابع مختلف في سيناء نظراً إلى الظروف المادية الصعبة التي يشكو منها سكان محافظة شمال سيناء بمعظمهم، وذلك بسبب ندرة فرص العمل بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية التي أثّرت على كل مناحي الحياة. كذلك أثّرت الظروف المادية والنفسية للمدرّسين على مدى رغبتهم في تعليم التلاميذ بطريقة لائقة، بالإضافة إلى أنّ غياب الرقابة على أدائهم أدّى إلى تشجيعهم على التقصير بصورة لافتة، وهو ما أثّر سلبياً على مجمل العملية التعليمية بسيناء.
يوسف حسين أب لثلاثة تلاميذ يقصدون "السناتر"، يقول: "بتنا نكره التعليم بسبب الدروس الخصوصية التي صارت لزاماً على كل عائلة تريد لأبنائها النجاح في مدارسهم، في ظل ضعف أداء المدرّسين في المؤسسات التربوية الحكومية. ونضطر إلى تسجيل كل أبنائنا في السناتر، على الرغم من أنّ المدرّسين هم أنفسهم في السناتر والمدارس". ويشير إلى أنّ "ثمّة مدرّسين يدعون تلاميذهم في المدارس إلى التسجيل لديهم في السناتر". ويسأل حسين عن "دور الرقابة التابعة إلى إدارات التعليم في سيناء في متابعة هذه السناتر التي انتشرت بطريقة جنونية في الآونة الأخيرة، وكذلك متابعة المدرّسين الذين ينشطون في هذا العمل علناً - خصوصاً في مدينة العريش - ويعلنون عن ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأماكن العامة. يأتي ذلك في حين يتمّ تجاهل شكاوى المواطنين التي لا تنتهي حول هذه الأزمة الدائمة في قطاع التعليم".
من جهته، يقول أحد العاملين في مكتبة تقع وسط مدينة العريش، وقد فضّل عدم الكشف عن هويّته، إنّ "كل مادة يدرسها التلميذ في السنتر يدفع مقابلها ما لا يقلّ عن 120 جنيهاً مصرياً (نحو سبعة دولارات أميركية) شهرياً، ويشمل ذلك المواصلات ونسخ المستندات اللازمة للدراسة". يضيف أنّ "تسجيل التلاميذ يتركّز في إطار المواد الأساسية من قبيل الرياضيات واللغة الإنكليزية واللغة العربية، في حين يعمد أولياء أمور أطفال في الصفوف الأساسية إلى تسجيلهم في معظم المواد، لأهمية تأسيس الطفل بصورة صحيحة في ظلّ ضعف أداء المدرّسين في المدارس الحكومية". ويتابع أنّ "حالة من التنافس تسود بين مدرّسي السناتر لجذب أكبر عدد من التلاميذ، من خلال تقديم حوافز متنوّعة قد تصل إلى حدّ تسهيل حصولهم على درجات في بعض المواد في مدارسهم"، مشيراً إلى أنّ "عدد الذين يتلقون الدروس الخصوصية في مدينة العريش يُقدّر بالآلاف".
وكانت وكيلة وزارة التربية والتعليم بشمال سيناء، المهندسة ليلى مرتجى، قد أكدت في بداية العام الدراسي الجاري أنّ أكثر من 110 آلاف تلميذ وتلميذة في مختلف المراحل الدراسية تمّ استقبالهم في 591 مدرسة، بينما يرى أهالي شمال سيناء أنّ "السناتر" تمثّل مدارس موازية في المنطقة، إذ إنّ التلاميذ يضطرون إلى دفع مبلغ مالي في مقابل حجز مقعد لهم في بعض "السناتر" المميزة وكذلك في بعض المواد العلمية. يُذكر أنّه في مراحل الثانوية العامة، يزداد الإقبال على تلك المراكز بصورة لافتة، والحال كذلك مع اقتراب موعد الاختبارات النهائية، علماً أنّ تكلفة بعض الملازم الدراسية التي يحصل عليها التلميذ من "السناتر" تفوق 100 جنيه (نحو ستّة دولارات).
في السياق، يرى عدد من المواطنين أنّ "السناتر" في حاجة إلى متابعة أمنية، إذ إنّها مراكز مختلطة لتلاميذ وتلميذات من فئات مختلفة، الأمر الذي قد يؤدي إلى بعض التجاوزات غير المقبولة، خصوصاً في الشارع السيناوي الذي يُعرف بأنّه من الأكثر التزاماً بالعادات والتقاليد المصرية. وعلى الرغم من الشكاوى التي سجلت في هذا الإطار، فإنّ الرقابة المطلوبة من الجهات المختصة غائبة عن "السناتر" بصورة كاملة، لتصير أزمة "السناتر" ذات أوجه متعددة. فهي أزمة مالية وأزمة تعليمية وكذلك أزمة اجتماعية، الأمر الذي يتطلب موقفاً حازماً من كل الأطراف المعنية في المحافظة.
تجدر الإشارة إلى أنّ مدرّسي محافظة شمال سيناء يواجهون تحديات عدّة، من صعوبة في الوصول إلى بعض المدارس بسبب إغلاق الطرقات والكمائن (نقاط التفتيش) المنتشرة في شوارع سيناء، وعدم حصولهم على بدلات لقاء المخاطرة والظروف الاستثنائية التي تعيشها سيناء بخلاف بقية محافظات مصر، وحالة عدم استقرار العملية التعليمية في سيناء، والظروف النفسية المتعلقة بالتلاميذ وتأثيرها على مدى استيعاب المعلومات. لكنّ ذلك كله لا يبرّر حالة الضعف القائمة في المدارس في مقابل "قوّة" الدروس الخصوصية مثلما يقول أهالي سيناء.
حاولت "العربي الجديد" الحصول على تعليق من وزارة التربية والتعليم في سيناء حول الموضوع، لكنّ المسؤولين الذين جرى الاتصال بهم رفضوا ذلك مكتفين بالحديث عن دور الوزارة في متابعة هذا الملف في كل محافظات مصر، بقرار من وزير التربية والتعليم. بذلك تستمر الأزمة التعليمية في سيناء حتى إشعار آخر، من دون أيّ تحرّك حكومي فاعل يجمّد الأزمة التي تزيد من معاناة آلاف الأسر هناك، خصوصاً في ظل كلام الحكومة المصرية في بياناتها عن دعم سيناء والسعي إلى تنميتها.