صُدفةً، في عام 2007، في بحر الشمال، اصطدمت مجموعةٌ من الغطّاسين الألمان بحطام سفينة مجهولة. صمَّم الغطّاسون، بشكل جدّي، على معرفة المزيد حول تاريخ ومصير هذه السفينة الغامضة. أخيراً، وبعد 10 سنوات، تمكنّوا من حلِّ لغز غرقها في البحر. إذْ يصنّف بحر الشمال بأنّه أكثر مياه عميقة غنيَّة بحطام السفن حول العالم. عددٌ كبير من السفن سقط كضحايا في هذا البحر، إمَّا بسبب تقلّبات الطقس، أو أثناء الحربين العالميّتين الأولى والثانية.
الغطَّاسون الثمانية، الذين يمارسون مِهناً عاديّة، فمنهم الصيدليّ والمهندس، تدرّبوا في "أكاديميَّة الغوص التقني" في هامبورغ، وذلك لنيل تدريب إضافي ودقيق ينمّي هوايتهم، أي الغطس. لكن، يتطلَّب الغطسُ في بحر الشمال شروطاً خاصَّة، إذْ يقول الخبير في الغطس، وقائد المجموعة، هوغلر بوس، لـ "شبيغل" الألمانيَّة، إنَّ "تدفّق المياه هائل جداً". إذْ بسبب المدّ والجزر، فإنَّ ثمة ساعة واحدة محددة فقط، كلّ يوم، هي ساعة هدوء المياه، تكون مناسبة للغوص. بين لحظتي سيادة المياه الفائضّة، وسيادة المياه المنخفضة، أيّ بين المد والجزر، ثمَّة لحظة أخرى، يخفُّ فيها تدفّق المياه، وتصبح المياه راكدة ومستقرّة ومناسبة للغوص.
عضوان من مجموعة الهواة، في عام 2007، اكتشفا حطام السفينة، التي أثارت فضولهم جميعاً، ودفعتهم إلى مزيد من جولات الغطس. بعد إجراء العديد من البحوث، اكتشفوا أنّه على عمق 27 متراً ثمّة حطام سفينة، تُرَى لأوّل مرّة، ولم يتمّ تحديدها بعد. وأطلقوا على الحطام لقب "حطام إكس". خمّن الغطاسون، اعتماداً على طريقة بناء السفينة، أنّ تاريخ البناء هو بين عامي 1890 و1930. حاولوا اكتشاف المزيد في جولات غطسٍ متتالية، لكن، فشلت عمليات البحث عن جرس السفينة، على الرغم من 30 جولة غطس قاموا بها! قرّر الغطاسون إبقاء الأمر سرّاً وعدم إخبار أحد به، وحتّى السلطات الرسميّة.
بعد عشر سنواتٍ من الاكتشاف، حاول الغطّاسون الثمانية معالجة الموضوع بشكلٍ احترافي ومنهجي، لذلك، أخذوا دورةً تخصّصيَّة حول "الآثار في أعماق البحار". وقتها، تعلّموا نظريات ومناهج: القياس، والتمثيل ثلاثي الأبعاد، وتوثيق المكتشفات الأثرية في أعماق البحار. بعدها، اتبّع الغطاسون المعايير التي تعلموها، وتغيّر سلوكهم تجاه اكتشافهم الجديد. ما كان يهمّهم بشكلّ جديّ، هو الرّوح المخيّمة على الحطام. يقول بوس: "نحن نوثّق كلّ شيء نكتشفه في الحطام، ونحرصُ على ألا نخرج أي قطعةٍ منه، نحن لا نعبثُ بروحه".
في العام الماضي، طبّق الغطاسون معارفهم المكتسبة حديثاً، من أجل معرفة مزيد حول لغز هذه السفينة. بعد أربع جولات غطس متفرّقة، وضعوا خلالها رسماً تخطيطيّاً تخيّلياً لاكتشافهم، إذ رسموا السفينة اعتماداً على جولاتهم ومعرفتهم بها خلال السنين الماضية. بعد ذلك، بحثت المجموعة في مئات الصحف التي طبعت بين عامي 1900 و1955، للتحقّق من حوادث غرق عشرات من السفن في تلك الفترة. كان الغطاسون، الذين أصبحوا علماء آثار هواة أيضاً، يتحقّقون من كلّ سفينةٍ تثير شكوكهم، إذْ يبحثون عن صورها والمعلومات عنها، ويقارنونها بالرسم التخيّلي الوهمي لسفينتهم السريّة. التطابق الحاسم، وجدوه أخيراً في الأرشيف الرقمي لصحيفة "هانسا" الألمانيّة، إذ نشر في الصحيفة خبرٌ صغيرٌ جداً حول غرق باخرة باسم "إلسا"، في 1 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1936.
بعد أيام عدة، قرّرت المجموعة الاستعانة بعلماء آثار متخصصين، ووجدوا مزيداً من المعلومات حول باخرة "إلسا". في أرشيف المتحف الهولندي، وجدوا، أخيراً، صورة كاملة حقيقية للباخرة، شعرت المجموعة بالفخر لأنّها كانت تشبه الصورة التي رسمتها. وكشفت المعلومات أن السفينة بنيت في عام 1917 في هولندا. أكّد بوس أنّ كلّ الأدلة تطابقت وحسمت بأن حطام سفينتهم التي اكتشفوها في بحر الشمال هي تماماً باخرة "إلسا" الهولندية.
كانت السفينة في طريقها، وهي محمّلة بالفحم، من مدينة دانزيغ البولندية إلى مدينة شيربوغ الفرنسية. إرنست وايتندورف، كابتن "إلسا" ينحدرُ من مدينة روستك الألمانيَّة. ولمعرفة مزيد من التفاصيل حول مصير ولغز طاقم الباخرة بحث الغطاسون عن أحفاد الناجين. أخيراً، وجدت المجموعة حفيد إرنست وايتندورف نفسه، الحفيد الذي قاد في شيخوخته سفينة "وليهام بيك". كان الحفيدُ لا يزالُ يحتفظُ بقصاصات الصحف، والمذكرات المكتوبة بخطّ يد جده. في هذه الوثائق والمستندات، وجِدتُ نصوص مكتوبة منذ أكثر من 80 عاماً، بخطّ يد القبطان، يصف ويصوّر فيها تفاصيل الحدث الدراماتيكي المرعب، لحظة غرق "إلسا". آنذاك، كان على متن "إلسا" 12 بحّاراً، الكابتن وايتندورف نفسه، لم يكن على سطح السفينة، إذا سلم القيادة بعد أن تجاوز قناة بحر الشمال.
ثمّة ناجيان فقط من السفينة، وصفا للكابتن وايتندروف لحظة غرق "إلسا"، إذْ غرفت بسبب عاصفة ضخمة وهائلة، وتمكّنت موجةٌ من كسر الجسر على السفينة، وتهاوت السفينة وترنّحت، كسرت الموجات البوابات، وتسلّلت المياه بشدة إلى السفينة. حاول طاقم السفينة لأكثر من 90 دقيقة إنقاذ سفينة "إلسا" من الغرق، لكن، سرعان ما بدأت السفينة تغرق. الناجي الذي نقل الرواية للقبطان، حصل على زورق نجاة من خفر السواحل بعد أن تعلّق لأكثر من ساعة على لوح خشبي من حطام السفينة، حتّى تم إنقاذه.
قبل أيام نشر هوغلر بوس، قائد مجموعة الغطاسين، كلّ التفاصيل لأوّل مرّة، ووضعها للعموم. وأكّد في نهاية مقاله أنّهم اكتشفوا حطام سفينة أخرى!
اقــرأ أيضاً
الغطَّاسون الثمانية، الذين يمارسون مِهناً عاديّة، فمنهم الصيدليّ والمهندس، تدرّبوا في "أكاديميَّة الغوص التقني" في هامبورغ، وذلك لنيل تدريب إضافي ودقيق ينمّي هوايتهم، أي الغطس. لكن، يتطلَّب الغطسُ في بحر الشمال شروطاً خاصَّة، إذْ يقول الخبير في الغطس، وقائد المجموعة، هوغلر بوس، لـ "شبيغل" الألمانيَّة، إنَّ "تدفّق المياه هائل جداً". إذْ بسبب المدّ والجزر، فإنَّ ثمة ساعة واحدة محددة فقط، كلّ يوم، هي ساعة هدوء المياه، تكون مناسبة للغوص. بين لحظتي سيادة المياه الفائضّة، وسيادة المياه المنخفضة، أيّ بين المد والجزر، ثمَّة لحظة أخرى، يخفُّ فيها تدفّق المياه، وتصبح المياه راكدة ومستقرّة ومناسبة للغوص.
عضوان من مجموعة الهواة، في عام 2007، اكتشفا حطام السفينة، التي أثارت فضولهم جميعاً، ودفعتهم إلى مزيد من جولات الغطس. بعد إجراء العديد من البحوث، اكتشفوا أنّه على عمق 27 متراً ثمّة حطام سفينة، تُرَى لأوّل مرّة، ولم يتمّ تحديدها بعد. وأطلقوا على الحطام لقب "حطام إكس". خمّن الغطاسون، اعتماداً على طريقة بناء السفينة، أنّ تاريخ البناء هو بين عامي 1890 و1930. حاولوا اكتشاف المزيد في جولات غطسٍ متتالية، لكن، فشلت عمليات البحث عن جرس السفينة، على الرغم من 30 جولة غطس قاموا بها! قرّر الغطاسون إبقاء الأمر سرّاً وعدم إخبار أحد به، وحتّى السلطات الرسميّة.
بعد عشر سنواتٍ من الاكتشاف، حاول الغطّاسون الثمانية معالجة الموضوع بشكلٍ احترافي ومنهجي، لذلك، أخذوا دورةً تخصّصيَّة حول "الآثار في أعماق البحار". وقتها، تعلّموا نظريات ومناهج: القياس، والتمثيل ثلاثي الأبعاد، وتوثيق المكتشفات الأثرية في أعماق البحار. بعدها، اتبّع الغطاسون المعايير التي تعلموها، وتغيّر سلوكهم تجاه اكتشافهم الجديد. ما كان يهمّهم بشكلّ جديّ، هو الرّوح المخيّمة على الحطام. يقول بوس: "نحن نوثّق كلّ شيء نكتشفه في الحطام، ونحرصُ على ألا نخرج أي قطعةٍ منه، نحن لا نعبثُ بروحه".
في العام الماضي، طبّق الغطاسون معارفهم المكتسبة حديثاً، من أجل معرفة مزيد حول لغز هذه السفينة. بعد أربع جولات غطس متفرّقة، وضعوا خلالها رسماً تخطيطيّاً تخيّلياً لاكتشافهم، إذ رسموا السفينة اعتماداً على جولاتهم ومعرفتهم بها خلال السنين الماضية. بعد ذلك، بحثت المجموعة في مئات الصحف التي طبعت بين عامي 1900 و1955، للتحقّق من حوادث غرق عشرات من السفن في تلك الفترة. كان الغطاسون، الذين أصبحوا علماء آثار هواة أيضاً، يتحقّقون من كلّ سفينةٍ تثير شكوكهم، إذْ يبحثون عن صورها والمعلومات عنها، ويقارنونها بالرسم التخيّلي الوهمي لسفينتهم السريّة. التطابق الحاسم، وجدوه أخيراً في الأرشيف الرقمي لصحيفة "هانسا" الألمانيّة، إذ نشر في الصحيفة خبرٌ صغيرٌ جداً حول غرق باخرة باسم "إلسا"، في 1 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1936.
بعد أيام عدة، قرّرت المجموعة الاستعانة بعلماء آثار متخصصين، ووجدوا مزيداً من المعلومات حول باخرة "إلسا". في أرشيف المتحف الهولندي، وجدوا، أخيراً، صورة كاملة حقيقية للباخرة، شعرت المجموعة بالفخر لأنّها كانت تشبه الصورة التي رسمتها. وكشفت المعلومات أن السفينة بنيت في عام 1917 في هولندا. أكّد بوس أنّ كلّ الأدلة تطابقت وحسمت بأن حطام سفينتهم التي اكتشفوها في بحر الشمال هي تماماً باخرة "إلسا" الهولندية.
كانت السفينة في طريقها، وهي محمّلة بالفحم، من مدينة دانزيغ البولندية إلى مدينة شيربوغ الفرنسية. إرنست وايتندورف، كابتن "إلسا" ينحدرُ من مدينة روستك الألمانيَّة. ولمعرفة مزيد من التفاصيل حول مصير ولغز طاقم الباخرة بحث الغطاسون عن أحفاد الناجين. أخيراً، وجدت المجموعة حفيد إرنست وايتندورف نفسه، الحفيد الذي قاد في شيخوخته سفينة "وليهام بيك". كان الحفيدُ لا يزالُ يحتفظُ بقصاصات الصحف، والمذكرات المكتوبة بخطّ يد جده. في هذه الوثائق والمستندات، وجِدتُ نصوص مكتوبة منذ أكثر من 80 عاماً، بخطّ يد القبطان، يصف ويصوّر فيها تفاصيل الحدث الدراماتيكي المرعب، لحظة غرق "إلسا". آنذاك، كان على متن "إلسا" 12 بحّاراً، الكابتن وايتندورف نفسه، لم يكن على سطح السفينة، إذا سلم القيادة بعد أن تجاوز قناة بحر الشمال.
ثمّة ناجيان فقط من السفينة، وصفا للكابتن وايتندروف لحظة غرق "إلسا"، إذْ غرفت بسبب عاصفة ضخمة وهائلة، وتمكّنت موجةٌ من كسر الجسر على السفينة، وتهاوت السفينة وترنّحت، كسرت الموجات البوابات، وتسلّلت المياه بشدة إلى السفينة. حاول طاقم السفينة لأكثر من 90 دقيقة إنقاذ سفينة "إلسا" من الغرق، لكن، سرعان ما بدأت السفينة تغرق. الناجي الذي نقل الرواية للقبطان، حصل على زورق نجاة من خفر السواحل بعد أن تعلّق لأكثر من ساعة على لوح خشبي من حطام السفينة، حتّى تم إنقاذه.
قبل أيام نشر هوغلر بوس، قائد مجموعة الغطاسين، كلّ التفاصيل لأوّل مرّة، ووضعها للعموم. وأكّد في نهاية مقاله أنّهم اكتشفوا حطام سفينة أخرى!