ارتفعت مئات المناطيد المضيئة في سماء شاطئ الرملة البيضاء في العاصمة اللبنانية بيروت، دفاعاً عن المسبح الشعبي الوحيد في العاصمة اللبنانية، بعد قرار قضائي يقضى بإغلاقه لصالح أحد المستثمرين. هو النشاط الأول من ضمن سلسلة من النشاطات التي تنظمها الجمعيات الأهلية لحماية الشاطئ، ولمنع تكرار تجربة منطقة الدالية المجاورة. وكانت الأخيرة قد تحوّلت في خلال أشهر قليلة من مسكن للصيادين وفسحة للتنزه في العاصمة، إلى مساحة جرداء تحاصرها الأسلاك الشائكة، تمهيداً لاستثمارها من قبل شركة خاصة بعد استملاكها.
لا تخلو ذاكرة أهالي بيروت من لحظات لهم على شاطئ "الرملة"، الذي تزينه - لغاية اليوم - مئات الشماسي في موسم السباحة. والرمال الناعمة في الشاطئ الشعبي الذي تتولى إدارته وزارة الأشغال العامة والنقل، لطالما شكّلت مقصداً لآلاف من عائلات بيروت ومحيطها. هؤلاء كانوا يقصدونها لقضاء وقت ممتع على الشاطئ المجاني.
اليوم تُقام معركة قانونية وشعبية حول هذه المنطقة بين مالك عدد من العقارات الواقعة ضمن الشاطئ أي المستثمر وسام عاشور، وبين وزارة الأشغال العامة والنقل صاحبة الوصاية على الأرض. وبعد استصدار عاشور قراراً قضائياً مستعجلاً يقضي بإغلاق المداخل وتسوير "أملاكه" الخاصة، أوعزت وزارة الأشغال إلى وزارة الداخلية منع تنفيذ القرار والحفاظ على الشاطئ في انتظار الطعن به.
يشرح رئيس بلدية بيروت، بلال حمد، لـ "العربي الجديد" المشكلة القانونية للعقارات وتاريخها، فيقول إن "رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري اشترى العقارات (التي يُفترض بها أن تكون أملاكاً عامة) من عدد من المستثمرين كموريس فاضل وإلياس سابا اللذَين استملكاها في عهد الانتداب الفرنسي. من ثم عقد اتفاقاً مع وزارة الأشغال لتحويلها إلى مسبح شعبي تتولى الوزارة إدارته. وبعد استشهاد الحريري، انتقلت الملكيّة إلى المستثمر الحالي (وسام عاشور) الذي يريد إغلاقها لأسباب خاصة".
ويدعو حمد وزارة الأشغال إلى "تحمّل مسؤولياتها القانونية في هذا الملف، وحلّ المشكلة من خلال استئجار العقارات أو استملاكها". ويوجّه اللوم إلى "وسائل الإعلام التي تحاول تحوير الحقائق من خلال تحميل البلدية مسؤولية الملف، علماً أن حدود صلاحيتنا تقف عند خط الكورنيش على الطريق العام ولا تصل إلى الشاطئ". وقد بادرت البلدية بحسب ما يفيد حمد، إلى الاعتراض على القرار القضائي، من خلال كتاب وجّهه المحافظ زياد شبيب إلى وزارة الأشغال تمهيدا "لاتخاذ خطوات أخرى في حال لم يتوقف العمل بالقرار وإلغائه".
وتشير مصادر متابعة لـ "العربي الجديد" إلى تحضير حمد ملفات استملاك العقارات لصالح البلدية في مقابل مبلغ 120 مليون دولار أميركي تدفعه البلدية لعاشور. ويؤكد هنا وزير الأشغال العامة، غازي زعيتر، لـ "العربي الجديد" أن "ملف الشاطئ قيد الدرس في الوزارة، وسيتم الإعلان عن موقف رسمي في خلال الأسبوع المقبل".
قضيّة رأي عام
ومع انتشار نص القرار القضائي وبيان وزارة الأشغال الرافض له، راحت جمعيات أهلية تحاول حماية الشاطئ من خلال تحركات قانونية وشعبية. يشير المدير التنفيذي لجمعية "نحن"، محمد أيوب، إلى "تسلح الجمعيات بالقانون لحماية الشاطئ من خطر الاستثمار. فالمنطقة مصنفة كمحمية طبيعية بموجب القانون الصادر في عام 1925 والذي يعتبر كل الأراضي الرملية أملاكاً عامة يُمنع التصرف بها أو تغيير طبيعتها، كذلك هي تخضع للمخططات التوجيهية التي أصدرتها بلدية بيروت في عام 2009 وصادق عليها مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، والتي تحدّد الشاطئ كملك عام". وإلى هذه النصوص القانونية، يتحدّث أيوب عن "حالة غير سويّة في ستينيات القرن الماضي، عندما انتقلت أملاك بحرية عامة عدّة إلى ملكية أفراد ومؤسسات بصورة غامضة. ومع انتقال ملكيتها من شخص إلى آخر، تحوم المخاطر الاستثمارية حولها تبعاً لأهواء المالكين". ويخشى أيوب اليوم من سماح التدخلات السياسية لعاشور في استكمال إغلاق المسبح وضمّه إلى أحد المنتجعات التي يملكها على أحد الشواطئ القريبة من الرملة البيضاء، ليكتمل حصار الشاطئ العام من قبل الشركات الخاصة.
تجدر الإشارة إلى أن اعتراضات سياسية عدّة تشير إلى صعوبة تمرير القرار، إذ أيّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ومكتب الشؤون البلدية والاختيارية في حركة "أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، التحرّكات الشعبية. وقد شدّد جنبلاط في تصريح على أنه "من حق أهالي بيروت التصدي لمشروع الرملة البيضاء المشبوه وحماية واحدة من آخر متنفسات العاصمة الحيوية، ونحن إلى جانبهم (الناس) في هذا التصدي المحق حفاظاً على هذا الشاطئ الجميل، وحفاظاً على حقهم في ارتياده مجاناً والاستمتاع به". كذلك ذكّر جنبلاط "بملف قديم عالق منذ سنوات من دون حل ككثير من الملفات الحيوية، وهو ملف الأملاك العامة البحرية التي يشكل عدم حلها فضيحة سياسية وأخلاقية واجتماعية وإنسانية".
"الدالية" ضاعت بين جشع المستثمرين والغطاء السياسي الذي يتمتّع به أصحاب رؤوس الأموال. هل يضيع اليوم آخر موطئ قدم لأطفال بيروت الذين يطبعون بأقدامهم الصغيرة رمال شاطئ البحر الأبيض المتوسط؟
إقرأ أيضاً: الريّس أبو فريد يموت مرّتين
لا تخلو ذاكرة أهالي بيروت من لحظات لهم على شاطئ "الرملة"، الذي تزينه - لغاية اليوم - مئات الشماسي في موسم السباحة. والرمال الناعمة في الشاطئ الشعبي الذي تتولى إدارته وزارة الأشغال العامة والنقل، لطالما شكّلت مقصداً لآلاف من عائلات بيروت ومحيطها. هؤلاء كانوا يقصدونها لقضاء وقت ممتع على الشاطئ المجاني.
اليوم تُقام معركة قانونية وشعبية حول هذه المنطقة بين مالك عدد من العقارات الواقعة ضمن الشاطئ أي المستثمر وسام عاشور، وبين وزارة الأشغال العامة والنقل صاحبة الوصاية على الأرض. وبعد استصدار عاشور قراراً قضائياً مستعجلاً يقضي بإغلاق المداخل وتسوير "أملاكه" الخاصة، أوعزت وزارة الأشغال إلى وزارة الداخلية منع تنفيذ القرار والحفاظ على الشاطئ في انتظار الطعن به.
يشرح رئيس بلدية بيروت، بلال حمد، لـ "العربي الجديد" المشكلة القانونية للعقارات وتاريخها، فيقول إن "رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري اشترى العقارات (التي يُفترض بها أن تكون أملاكاً عامة) من عدد من المستثمرين كموريس فاضل وإلياس سابا اللذَين استملكاها في عهد الانتداب الفرنسي. من ثم عقد اتفاقاً مع وزارة الأشغال لتحويلها إلى مسبح شعبي تتولى الوزارة إدارته. وبعد استشهاد الحريري، انتقلت الملكيّة إلى المستثمر الحالي (وسام عاشور) الذي يريد إغلاقها لأسباب خاصة".
ويدعو حمد وزارة الأشغال إلى "تحمّل مسؤولياتها القانونية في هذا الملف، وحلّ المشكلة من خلال استئجار العقارات أو استملاكها". ويوجّه اللوم إلى "وسائل الإعلام التي تحاول تحوير الحقائق من خلال تحميل البلدية مسؤولية الملف، علماً أن حدود صلاحيتنا تقف عند خط الكورنيش على الطريق العام ولا تصل إلى الشاطئ". وقد بادرت البلدية بحسب ما يفيد حمد، إلى الاعتراض على القرار القضائي، من خلال كتاب وجّهه المحافظ زياد شبيب إلى وزارة الأشغال تمهيدا "لاتخاذ خطوات أخرى في حال لم يتوقف العمل بالقرار وإلغائه".
وتشير مصادر متابعة لـ "العربي الجديد" إلى تحضير حمد ملفات استملاك العقارات لصالح البلدية في مقابل مبلغ 120 مليون دولار أميركي تدفعه البلدية لعاشور. ويؤكد هنا وزير الأشغال العامة، غازي زعيتر، لـ "العربي الجديد" أن "ملف الشاطئ قيد الدرس في الوزارة، وسيتم الإعلان عن موقف رسمي في خلال الأسبوع المقبل".
قضيّة رأي عام
ومع انتشار نص القرار القضائي وبيان وزارة الأشغال الرافض له، راحت جمعيات أهلية تحاول حماية الشاطئ من خلال تحركات قانونية وشعبية. يشير المدير التنفيذي لجمعية "نحن"، محمد أيوب، إلى "تسلح الجمعيات بالقانون لحماية الشاطئ من خطر الاستثمار. فالمنطقة مصنفة كمحمية طبيعية بموجب القانون الصادر في عام 1925 والذي يعتبر كل الأراضي الرملية أملاكاً عامة يُمنع التصرف بها أو تغيير طبيعتها، كذلك هي تخضع للمخططات التوجيهية التي أصدرتها بلدية بيروت في عام 2009 وصادق عليها مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، والتي تحدّد الشاطئ كملك عام". وإلى هذه النصوص القانونية، يتحدّث أيوب عن "حالة غير سويّة في ستينيات القرن الماضي، عندما انتقلت أملاك بحرية عامة عدّة إلى ملكية أفراد ومؤسسات بصورة غامضة. ومع انتقال ملكيتها من شخص إلى آخر، تحوم المخاطر الاستثمارية حولها تبعاً لأهواء المالكين". ويخشى أيوب اليوم من سماح التدخلات السياسية لعاشور في استكمال إغلاق المسبح وضمّه إلى أحد المنتجعات التي يملكها على أحد الشواطئ القريبة من الرملة البيضاء، ليكتمل حصار الشاطئ العام من قبل الشركات الخاصة.
تجدر الإشارة إلى أن اعتراضات سياسية عدّة تشير إلى صعوبة تمرير القرار، إذ أيّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ومكتب الشؤون البلدية والاختيارية في حركة "أمل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، التحرّكات الشعبية. وقد شدّد جنبلاط في تصريح على أنه "من حق أهالي بيروت التصدي لمشروع الرملة البيضاء المشبوه وحماية واحدة من آخر متنفسات العاصمة الحيوية، ونحن إلى جانبهم (الناس) في هذا التصدي المحق حفاظاً على هذا الشاطئ الجميل، وحفاظاً على حقهم في ارتياده مجاناً والاستمتاع به". كذلك ذكّر جنبلاط "بملف قديم عالق منذ سنوات من دون حل ككثير من الملفات الحيوية، وهو ملف الأملاك العامة البحرية التي يشكل عدم حلها فضيحة سياسية وأخلاقية واجتماعية وإنسانية".
"الدالية" ضاعت بين جشع المستثمرين والغطاء السياسي الذي يتمتّع به أصحاب رؤوس الأموال. هل يضيع اليوم آخر موطئ قدم لأطفال بيروت الذين يطبعون بأقدامهم الصغيرة رمال شاطئ البحر الأبيض المتوسط؟
إقرأ أيضاً: الريّس أبو فريد يموت مرّتين