لطالما كان من ضمن مهمات أمناء المكتبات الالتزام بحرية الوصول المجاني إلى المعلومات، وهذا يعني أن هناك تحديات أمام المكتبة تتعلق بالرقابة الخارجية التي تهدد هذا المبدأ في الأساس. ومع ذلك، يمكن أن تحدث الرقابة أيضًا داخل المكتبات نفسها وغالبًا بطريقة غير معلنة.
ولا يخفى أن ثمة مجموعة من الممارسات والإجراءات التي يمكن أن تمارس المكتبة من خلالها الرقابة، وأياً كانت أسبابها ونواياها، فإن نهاية طريق الرقيب هي قمع الأفكار "الخطيرة" أو المغايرة، ليس فقط عن الجنس ولكن عن الأخلاق والسياسة والفن والحياة أيضاً.
قد تبدو جملة فولتير المعروفة "أنا أكره ما تقوله، ولكن سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول ما تريد" نمطية بعض الشيء، ولكنها تجسد فكرة حرية التعبير بأفضل صورة، وربما تكون أفضل عبارة تمثل قبول الآخر والتعايش معه بسلام ومناهضة رقابة الأفكار.
الباحثة المصرية مروة محمد شاكر بادرت إلى إجراء دراسة نشرتها في كتاب بعنوان "الرقابة والحرية الفكرية في المكتبات" والذي صدر مؤخراً عن "دار المهجر"، من تقديم ومراجعة زين عبد الهادي.
الكتاب من الدراسات العربية القليلة التي تستكشف حرية الفكر داخل المكتبات وإن كان المكتبيون يقفون محايدين أو حائرين بين نظريتين في إطار العمل داخل المكتبات، حيث في يد أمناء المكتبات الاختيار بين الإتاحة والمنع.
يحدث هذا بسبب غياب لوائح واضحة تحدد مهماتهم في هذا الخصوص، مما يخلق بحسب الباحثة حالة من عدم طرح الموضوعات بحيادية وشفافية داخل المكتبات، وقد يخضع قرار المنع إلى توجه أو ميل شخصي عند المكتبي.
يقول عبد الهادي، الرئيس الأسبق لـ "دار الكتب الوثائق" المصرية، في مقدمة الكتاب إن الباحثة تقوم بدراسة المفاهيم المستقرة والإجراءات التي "عفا عليها الزمن" في مؤسسات المكتبات بمختلف أنواعها وطبقاتها.
ويرى أن موضوع الرقابة داخل المكتبات والحرية الفكرية يحتاج إلى الكثير من العمل الأكاديمي والاجتماعي والثقافي لكي تتمكن هذه المؤسسة من أن تخرج من هذه الدائرة، ويتعرض عمل الباحثة هنا إلى هذه المسائل ويكشف إشكالياتها وملابساتها، في إطار أكاديمي وموضوعي صرف.