"الخلايا الدائمة" لـ "داعش" تربك أمن الموصل

10 مارس 2019
أدى هجوم الجمعة لسقوط 13 بين قتيل وجريح(فرانس برس)
+ الخط -
أثارت الهجمات التي شهدتها مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، ومناطق أخرى في المحافظة أخيراً، قلق مسؤولين وسياسيين عراقيين وضباط ميدانيين وصفوا تلك الهجمات بـ"النوعية"، لاستهدافها عناصر في الأمن الوطني و"الحشد الشعبي". وبينما تؤكّد الحكومة المحلية أنّ التجاذبات السياسية هي التي تسببت بالتدهور الأمني الأخير، يرى زعماء في الموصل أنّ "خلايا دائمة" لتنظيم "داعش" تعبث بأمن المدينة، واصفين الحكومة العراقية بـ"الحكومة النائمة".
ووفقاً لضابط في قيادة عمليات نينوى تحدث إلى "العربي الجديد"، فإنّ هجوم أوّل من أمس الجمعة، الذي استهدف الأمن الوطني وسط الموصل وأسفر عن سقوط 13 شخصاً بين قتيل وجريح، جاء بعد ثلاثة أيام على هجوم استهدف رتلاً لـ"الحشد الشعبي" في بلدة مخمور (جنوب الموصل)، وتسبب بمقتل وإصابة العشرات. ولفت الضابط إلى أنّ الموصل شهدت نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي تفجيراً في منطقة المجموعة الثقافية وسط المدينة، أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 20 عراقياً.
وأوضح الضابط نفسه أنّ القلق يأتي من قدرة "الخلايا النائمة" لتنظيم "داعش" على التخطيط للهجمات، بشكل يجعلها تصل إلى أقوى الأجهزة في نينوى (الأمن الوطني، والحشد الشعبي)، مؤكداً أنّ ذلك يعني "امتلاك الإرهابيين القدرة على شنّ هجمات في مناطق أكثر سهولة".
إلا أنّ رئيس مجلس إسناد أم الربيعين (الموصل) زهير الجلبي، رفض إطلاق تسمية "الخلايا النائمة" على عناصر "داعش" المختبئين في الموصل وأطرافها، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الحقيقة تشير إلى وجود "خلايا دائمة" للتنظيم قادرة على تنفيذ هجماتها في أي وقت تشاء.
وأضاف الجلبي أنّ "الحكومة العراقية هي النائمة، لا خلايا داعش"، منتقداً حديث السلطات العراقية عن الأمن والاستقرار "الذي يتم نسفه بتفجيرات تحدث بين الحين والآخر". ورأى أنّ "تنظيم داعش موجود بالفعل، وقادر على الضرب في أي وقت"، معتبراً أنّ "تعدد الجهات الأمنية في الموصل هو ما يتسبب بالمشاكل التي تحدث حالياً".
أما عضو مجلس محافظة نينوى دلدار زيباري، فألقى باللائمة بشأن التدهور الأمني في الموصل على "التجاذبات السياسية، والصراع المحلي والإقليمي والدولي على المدينة"، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المتغيرات في المنطقة، ولا سيما في سورية، تنعكس بشكل مباشر على أمن الموصل".
واعتبر زيباري أنّ "التفجيرات الأخيرة في الموصل تهدف إلى إيصال رسائل معينة"، لافتاً إلى "وجود تحليلات متناقضة بهذا الشأن، فهناك من يتهم الخلايا النائمة لداعش، وهناك من يقول غير ذلك". وشدّد على "ضرورة عدم القيام بردود أفعال مبالغ بها في الموصل، رداً على التفجيرات الأخيرة"، موضحاً أنّ "الأجهزة الأمنية لم تصل من حيث التفكير إلى مستوى التهديدات".

وأضاف زيباري أنه "على الرغم من تحرير الموصل من داعش عام 2017، إلا أنّها لا تزال تمثّل منطقة ساخنة وميداناً مفتوحاً للصراعات المحلية والإقليمية"، مشيراً إلى "عدم وجود إرادة حقيقة لوقف هذا الصراع".
من جهته، قال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، إنّ الهجمات الأخيرة لـ"داعش" في الموصل، "تشير إلى نقلة نوعية في طبيعة الهجمات الإرهابية"، موضحاً من خلال منشور على صفحته على موقع "فيسبوك"، أنّ "هذه التفجيرات استهدفت الأحياء الحضرية المكتظة بالسكان لأسباب عدة، أبرزها القيام بعمليات ثأر، ومعاقبة الأهالي، ورفع مستوى الشكوك بين رجال الأمن والمواطنين، وهزّ الثقة التي صنعتها المرحلة الماضية".
وأكد الهاشمي أنّ "خطورة العمليات الأخيرة في الموصل تأتي من كونها تمّت بسيارات مفخخة، ما يشير إلى وجود مصنع تفخيخ، وورشة للتشبيك بين العناصر المكلفة بالتنفيذ، وعناصر للمراقبة والاستخبار"، موضحاً أنّ "الخلايا لا تعمل بشكل منفرد، بل ضمن شبكة".
ولفت إلى أنّ "التفجيرات لم تتم بواسطة متفجرات بدائية الصنع"، موضحاً أنّ هذا النوع من العمليات "يصنّف بالنوعي بالنظر إلى رمزية الأحياء المستهدفة". وأكّد الهاشمي أنّ التدهور الأمني الأخير "سيلقي بظلاله على القيادات الأمنية العليا التي يمكن أن يتم تغييرها".
بدوره، رأى العضو السابق في "تحالف القوى"، محمد عبد الله، أنّ "الوقت قد حان لاستبدال القيادات الأمنية التي فشلت في تحقيق الأمن ببعض المناطق"، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "العراق دفع ثمناً غالياً من أبنائه لتحرير الموصل وبقية المدن والمناطق، ولا يمكن القبول بتدهور الأمن مرة أخرى مهما كانت الأسباب".
وأوضح عبد الله أنّ "الجدل السياسي الذي تسبّب بتأخر اختيار وزيري الدفاع والداخلية، أدى إلى التدهور الأمني الأخير في الموصل"، داعياً السلطات الاتحادية في بغداد والحكومة المحلية في الموصل "إلى التحرّك سريعاً لمنع المخطط الذي يريد إعادة المدينة إلى مربع العنف الأول".
يذكر أنّ تنظيم "داعش" كان قد اجتاح الموصل ومدناً عراقية أخرى منتصف عام 2014، لتخوض القوات العراقية بعد ذلك معارك شرسة مع التنظيم، تكللت بإعلان النصر وتحرير جميع المدن والمناطق من سيطرة التنظيم نهاية عام 2017.
وتأتي الخروقات الأمنية في الموصل، متزامنة مع جدل عراقي بشأن تسلّم بغداد المئات من عناصر تنظيم "داعش" الذين اعتقلوا في سورية، والتحذيرات من انعكاس ذلك على الوضع الأمني في البلاد.
وفي السياق، قال محمد العكيلي القيادي في ائتلاف "دولة القانون"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إنّ "إقحام العراق في ملف استقبال عناصر تنظيم داعش الذين يتم إلقاء القبض عليهم في سورية، يعني تحويل البلاد إلى منطقة متأزمة"، موضحاً في تصريح صحافي أنّ "تصدير هؤلاء إلى العراق قد يتسبب بوجود غوانتانامو جديد في البلاد".
وشدّد العكيلي على "ضرورة إرسال العناصر الإرهابية إلى بلدانهم، والاكتفاء بمحاكمة مقاتلي داعش من العراقيين فقط في العراق"، مطالباً "بتكثيف الجهود المناوئة للأفكار المتطرفة التي قد تتغلغل إلى داخل المجتمع العراقي".
وفي الإطار نفسه، أوضح النائب العراقي سعران عبيد، أنّ عناصر "داعش" الذين يأتون من سورية "يتم تسلّمهم بالتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية العراقية"، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "القضاء سيتولى مهمة بتّ مصيرهم".
يشار إلى أنّ العراق كان قد تسلّم دفعات عديدة من عناصر في تنظيم "داعش" من مليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، آخرها تمّ يوم الجمعة، وفقاً لمسؤول عسكري في محافظة الأنبار (غرباً). وقال هذا المسؤول لـ"العربي الجديد"، إنّ بلاده تسلّمت آخر دفعة من مسلحي تنظيم "داعش" العراقيين الذين تمّ اعتقالهم، أو الذين سلّموا أنفسهم لمليشيا "قسد" في بلدة الباغوز الحدودية مع العراق، وذلك تحت إشراف "التحالف الدولي"، لافتاً إلى أنّه جرى نقل هؤلاء المسلحين إلى معسكر احتجاز في قضاء القائم (320 كيلومتراً غربي الرمادي)، ومرجحاً تسلم العراق مزيداً من مقاتلي "داعش" في حال تحقّق تقدّم عسكري في المربع الأخير في الباغوز، الذي لا يزال تحت سيطرة التنظيم الإرهابي.

المساهمون