"الخادمتان": لعبة المهانة ما زالت مستمرّة

11 فبراير 2018
من العرض
+ الخط -

يعود المسرحي العراقي جواد الأسدي، في تجربة جديدة، مع فرقة "دوز تمسرح" المغربية إلى "جان جينيه" ونصّه "الخادمتان". هذه المرّة اختار الأسدي جيلاً شابّاً من المسرحيين المغاربة، الذين يقدمون وجهاً جديداً للمسرح المغربي بات يوسم بـ"الحساسية الجديدة".

ضمّ فريق العمل السينوغراف يوسف العرقوبي، والمسرحي والموسيقي رشيد برومي الذي كان قد كرّس مع مسرح "أنفاس" والمخرجة أسماء الهوني نفساً جديداً أمست معه الموسيقى مكوّناً أساسياً في العرض المسرحي، إلى جانب الممثلتين رجاء خرماز وجليلة التلمسي، فيما رافق الأسدي في الإخراج الفنان عبد الجبار خمران مخرجاً مساعداً.

نص "الخادمتان" (1947) لجان جينيه، الكاتب الفرنسي الذي رحل ودفن في مدينة العرائش المغربية، ليس المغامرة الأولى للفنان العراقي، فقد سبق له تقديم العرض برؤية وفريق عمل ثانٍ.

والحال، أن المسرحية التي قدّمت بـ"مسرح المركز الثقافي الداوديات" بمراكش، قبل أيام (الجمعة 2 فبراير)، شكّلت إطلالة جديدة لعرض تفنّن في انتقاد عبثيّة القتل والموت ولو بشكل رتيب، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالبنيات الطبقيّة. ووظّف العرض ذلك من خلال استعارة الحضور الفعلي لخادمتين من جهة، في مواجهة سيّدة غائبة عن العرض، لكنّها تحضر بثقل خاصّ في محاولة لجعل حمولة الصراع الطبقي نفسه، يتحول إلى رغبة وجوديّة.

العرض يجد تبرير اختياره في الواقع العربي اليوم، إذ تبرز الحاجة إلى إعادة تقديم جان جينيه على الخشبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بنص لا يزال موضوعه المركزي حاضراً بقوّة اليوم، في ظل هذا الالتباس الكلّي للمنظومة المجتمعية في العالم العربي. وقد نجح الأسدي في تقديمه وفق رؤية إخراجية تبدو هذه المرّة متحرّرة واستطاعت التماهي بشكل لافت مع "الراهن"، على الرغم من أن اختيار تقديمه بمزيج لغوي (العربية، والفرنسية، والدارجة المغربية) لم يكن له من تبرير سوى تكييف العرض مع "صورة" المتلقي المفترض.

في الكثير من لحظات المسرحية، وخصوصاً في بدايتها، كنّا في كل مرّة نُجابَه بلعبة المسرح داخل المسرح، وهو ما أعطى إيقاعاً رتيباً في البداية، ما لبث أن تحوّل في الجزء الثاني إلى لحظات صراع تجلّت في قدرة الخادمتين على اختيار "القتل" كخلاص وتحرّر من وضعية شاذة، وصلت حدّ الإحساس بالدونية والعبودية. رغبةٌ في الخلاص، ترجمتها بعض المونولوغات تبتغي ترجمة تلك الأحاسيس الداخلية للشخصيّة.

الفضاء السينوغرافي للعرقوبي، والموسيقى المصاحبة لبرومي، ساعدا في جعل الأداء قادراً على ترجمة تلك النزعة والتضاد بين "سلطتين"؛ سلطة الخادمتين اللتين تسموان بروحهما وإرادتهما، في تمرين دائم على الرغبة في التحرّر من خلال وضع السم لـ"السيّدة"، وسلطة السيّدة، سلطة القهر الدائم.

التحوّل يحدث في انقلاب تلك الرغبة المحمومة للقتل، إلى اختيار الخلاص الذاتي، وهو أقرب لانتحار طبقي مقصود بشكل رمزي. حينما تختار إحداهما شرب السم، في تجاوز لإحساس العجز، هنا تتغيّر إرادة التغيير للخروج من لحظة التسلّط والنظرة القهريّة إلى لحظة الخلاص من الإحساس نفسه والانتهاء إلى ممارسة شكل من أشكال التعبير عن الفشل والعجز الكلّي. فهل هو مآل شعار التحوّل الذي انتهى اليوم إلى الالتباس؟

حمولة الأسدي واختيارات فريق العمل المغربي، جعلت العرض يتحول إلى حوار مفتوح، وأحياناً مكشوف. ليست هناك انتقالات كثيرة، بقدر ما يتطوّر المنحى الدرامي بشكل يُفرز تحوّلات سريعة التغيير للشخصيتين المركزيتين، إذ في اللحظات التي يعاد فيها صوت القطار، يتحول غياب السيدة إلى حضور شبه "مادي" يُحيل على نمط أشبه بحلقة دائرية للعرض؛ نبدأ وننتهي كي نبدأ من نفس النقطة.

قدّم الأسدي "الخادمتان" سنوات 1995، و2010 في نسختين عراقية ولبنانية، وهو أمر يفتح الباب للتساؤل: ما الذي تغيّر اليوم حتى يعيد تقديمها في نسخة مغربية؟ ربّما العوالم التي تقترحها المسرحية تعيد تقديم جواب اليوم، عن مجتمع يُدفع في اتجاه الانتحار القهري، عن عدم القدرة والشلل الكلي لإرادة التغيير،عن التعبير الكلي عن أحاسيس "سادية" و"مازوشية" اتجاه الذات العاجزة. يبدو أن لعبة المهانة ما زالت مستمرّة.

المساهمون