انتهى "الحوار الوطني الكبير" في فرنسا رسميًا في منتصف الشهر الماضي، ولكن الرئيس إيمانويل ماكرون، واصَله وحده، عبر لقاءات عديدة مع الأطفال، ثم المثقفين، وممثلي جزيرة كورسيكا يوم الخميس، قبل أن يصل أخيرًا إلى مجلسي النواب والشيوخ، اليوم الثلاثاء، حيث سيستمرّ يومين، خلال 15 ساعة.
وسيناقش النواب مواضيع التغيرات البيئية، والقضية الضريبية، والإنفاق العمومي، والديمقراطية والمواطَنَة، قبل أن يصل النواب إلى مناقشة تنظيم الدولة الخدمات العمومية.
لكن النواب الذين تم استثناؤهم من الحوار طيلة شهرين ونصف، والذين لم يخفوا غضبهم من هذا الإقصاء، خاصة نوّاب المعارضة، والذين يستطيعون أن يدلوا بمواقفهم واقتراحاتهم، لن يكون بإمكانهم تقديم أي مشروع قانون، ولن يتم إجراء أي تصويت. فقط النقاش، ولا شيء غير النقاش. وهو ما يجعلهم يحسّون بكثير من الحرمان؛ لأنهم لن يقرروا أي شيء، وسيكتفون بمحاسبة الرئيس وحكومته وانتقادهما، والاستهانة بهذا الحوار، وتوقع هزالة نتائجه.
وسيصل الحوار إلى نهايته يوم الثامن من الشهر، حيث سيقدم رئيس الحكومة، إدوار فيليب، للفرنسيين خلاصةً مركبة لاقتراحات الفرنسيين الذين شاركوا في الحوار الوطني. ثم يقوم في التاسع من الشهر بتصريح أمام مجلس النواب، يليه نقاش، دون تصويت، في انتظار كلمة الرئيس ماكرون، في منتصف الشهر، التي ستحسم الأمور، أو تحاول الحسم.
إذن، ليس النواب الوحيدين في هذه الوضعية -وضعية المُنتظِر- فحتى أعضاء الحكومة، ونواب الأغلبية الرئاسية، لا يعرفون الجواب الرسمي الذي سيقدَّم من أجل إطفاء نار "السترات الصفراء"، التي دام اشتعالها، مع كل "الخسائر" التي تسببها لفرنسا، اقتصادًا وسمعة دولية.
ومع مشارفة "الحوار الكبير" على النهاية، يبقى الرئيس ماكرون وحده من يعرف تمامًا ماذا سيقول، لكن إذا كان مؤكدًا أنه لن يجيب على كل المطالب والتظلمات (مليون و400 ألف اقتراح من طرف المواطنين الفرنسيين)، فإن خياراته محدودة للغاية؛ وهي إمّا أن يتعهد بإجراءات ملموسة، يبدأ تطبيقها من الآن إلى الصيف، لكن دون أن يتخلى عن وعوده الانتخابية وعن الاتجاه الذي رسمه في ولايته الرئاسية، وهذا صعبٌ للغاية، وإمّا أن يكون واقعياً، فيُقْدِم على إجراءات ضبط وتسوية، ولكنها دون الاستجابة لمطالب الحراك الاجتماعي، خاصة الأكثر شعبية، ومنها تعزيز القدرة الشرائية والعدالة الضريبية، وفي هذه الحالة سيغامر بإغضاب "السترات الصفراء" وغالبية من الفرنسيين ملتفَّة من حولهم، وهنا، أيضاً، يكون "الحوار الوطني الكبير" بمثابة "الجبل الذي ولد فأراً".
ولكنّ الفرنسيين في غالبيتهم (70 في المائة)، وحسب استطلاعات مختلفة للرأي، يعتقدون أن هذا الحوار الوطني الكبير لن يُتيح الخروج من الأزمة. وهو أيضاً موقف "السترات الصفراء"، وكذلك مختلف أحزاب المعارضة، التي ترى أن أي نجاح يُحسَب للرئيس ماكرون، سيعزّز حزبه في الانتخابات القادمة، الأوروبية والبلدية، ويُقوّي من حظوظه في ولاية رئاسية ثانية، سنة 2022.