"الحكاية غير المروية للكتاب الناطق": المستمع بدل القارئ

27 نوفمبر 2016
تجهيز لـ بوز سبيكتور
+ الخط -

يطالعنا الكاتب والمؤرّخ البريطاني ماثيو روبري في كتابه "الحكاية غير المروية للكتاب الناطق"، الصادر حديثاً عن "جامعة هارفارد"، بدراسة تتناول مواضيع عدّة حول الكتاب المسموع، من بينها أهمية التلقّي السمعيّ للكتاب، حيث لا ينظر إليه كاشتقاقٍ من الكتاب الورقي، إنما كصيغة مبتكرة منه فيها المتعة المُضافة.

يخوض روبري عميقاً في العلاقة الجدلية بين نوعَي الكتاب المذكورين، ويدافع عن قدرة الكتاب المسموع على الوصول إلى "القارئ" حاملاً إليه جميع التفاصيل والتأثيرات التي يجلبها الكتاب المقروء بالعينين، ويتحدّث في هذا السياق عما يُسمّيه "القراءة السمعية" كقراءةٍ لا تقلّ أهميّة عن تلك البصرية، مشيراً إلى الدور الإنسانيّ والمعرفيّ، الجدير بالتقدير، الذي لعبته التسجيلات الصوتية للكتب في خلق مكتبةٍ صارت بمثابة كنزٍ للأشخاص فاقدي البصر، وعلى نحوٍ خاصّ لأولئك من الضحايا والمحاربين القدامى، إثر تزايد الالتفات إلى هذا الشأن إبّان الحرب العالمية الأولى.

مئة وخمسون سنة تقريباً مرّت على أوّل تسجيل صوتيّ بفونوغراف توماس أديسون الميكانيكي، ومنذ ذلك الحين تابعت التكنولوجيا تطويرها لمشغّلات ومسجّلات الصوت، حتى صار من الممكن اليوم أن يحصل الواحد على قارئ صوتي ضئيل الحجم يستطيع أن يدسّه في قبّعته على سبيل المثال ويستمع من خلاله إلى مكتبة كاملة.

هذا ويركز الكتاب، في جانب منه، على التأثير الاجتماعي للكتاب المسموع، وليس فقط على تاريخ تطوّره التقنيّ، في سرده لخلافات تدعو للاستغراب وتثير الانفعال أحياناً، بدءاً بالجدل حول الكتب التي تختارها "مكتبة الكونغرس" من أجل تحويلها إلى كتب مسموعة؛ نعم لـ كيبلينغ، مثلاً، لا لـ فلوبير- وليس انتهاءً بالسجالات التي تلتمس أجوبة على أسئلة من قبيل: أيّ منها يهمّ القارئ؟

قبل بضع سنوات وُجدت محاولات لإطلاق مشروع للكتاب المسموع باللغة العربية لفاقدي البصر، ولكنه لم ير النور بعدُ، وربما توقّف نهائياً، وحاولت جهات عربية أخرى ولكنها لم تستمر. هي مفارقة تدعو للتفكّر وتطرح العديد من التساؤلات: أن يوجد تاريخ طويل للكتاب المسجّل في الغرب والولايات المتحدة في الوقت الذي لم تبادر أيّة مؤسسة أو جهة عربية بتقديم مكتبة سمعية ستكون، دون شكّ، مشروعاً ثميناً وجديراً بالاحترام.

نظراً لتكريس نفسه للاشتغال على مسائل الكتاب المسموع، يعرّف البعض روبري بمؤرّخ الكتاب المسموع، وهو لقب يشير إلى تقبّل الحياة الثقافية لفكرة التأريخ لهكذا وسيط معرفي واعتبار ذلك جزءاً من تاريخ الكتاب بصفة عامة. لكن، في الوقت الذي يبدأ فيه هؤلاء مرحلة التأريخ، ثمة مناطق أخرى من العالم - ليست البلاد العربية وحدها - لم توضع فيها اللبنة الأولى بعد. إنها إشارة أخرى عن تفاوت تفرضه الحداثة من قرون.


 

المساهمون