"الحزن الخبيث": شبح يتجوّل في العالم المعاصر

05 أكتوبر 2015
مقطع من عمل لـ صفوان دحول
+ الخط -

عند تناول موضوع مثل الأمراض، قد يصح القول إن من مرّ بالتجربة يقف في موقع أفضل للحديث عنها ممن يُعاينها، ومن هؤلاء من نسمّيهم بالمتخصّصين، من معالجين وباحثين. لعل هذه المقولة تنطبق على كتاب "الحزن الخبيث.. تشريح الاكتئاب" لـ لويس ولبرت والصادر بالعربية عن "مشروع كلمة"، بترجمة عبلة عودة.

يصدر الكتاب عن تجربة ذاتية للمؤلف مع مرض الاكتئاب. أكثر من ذلك، يأخذ ولبرت موقفاً نقدياً من تناول علماء النفس وجزء من الأطباء لهذا المرض، لذلك يحملنا المؤلَّف باتجاه فهم الحالة ثم نحو التفكير في سبل العلاج الذاتي. لقد قرّر ولبرت سرد تجربته الشخصية بعد التعافي لتكون مرجعاً.

يستهدف العمل شريحة أخرى، هي المحيطون بمرضى الاكتئاب والذين يظنون في أوقات كثيرة أن مريض الاكتئاب يستطيع تجاوز محنة الاكتئاب الحاد عن طريق دعم المحيطين أو تذكر الأحلام المتحققة والحياة الممتعة دون تخيّل صعوبة وتغلغل المرض الذي يمنع المريض حتى من التحرّك من سريره، ناهيك عن الاستمتاع بالحياة.

يعمل ولبرت في الأصل كباحث في البيولوجيا، ما يجعل قارئه يرجّح أن تفكيره العلمي -إلى جانب الخبرة الشخصية مع المرض طبعاً- جعله ينسج المعلومات العلمية التي يقدّمها بطريقة مبسّطة ومعمّقة في آن، ضمن أسلوب أقرب إلى أسلوب الحكي.

طرق وأساليب علاج الاكتئاب هي أهم ما يركّز عليه الكتاب، حيث يعتقد المؤلف في عدم جدوى العلاج النفسي التحليلي لقناعاته الشخصية بأن معظم نظريات التحليل النفسي لا تستند إلى أسس علمية، متحدّثاً عن تجربته مع العلاج حيث يشير إلى أن العقاقير التي وُصفت له كانت أكثر نفعاً من الجلوس أمام المحلل النفسي.

في كتاب ولبرت نتعرّف أيضاً على الفرق بين الثقافات المختلفة في تقبل المرض، فنعرف أن أعراض ومسمّيات الاكتئاب تختلف من بلد إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى؛ ولكنه في المقابل يشير إلى أن نظرة الغرب لا تختلف كثيراً عن نظرة الشرق؛ حيث يُحدّثنا عن مرضى من مختلف الثقافات، وصلوا إلى حافة الانتحار دون أن يلجأوا إلى طبيب نفسي أو يعترفوا بمرضهم لأحد من ذويهم خوفاً من فقدان وظائفهم أو وصمهم بالجنون.

يؤكد أيضاً على التشابه الإنساني على مستوى الخوف من العقاقير، ومن ضمنها مضادّات الاكتئاب وتفضيلهم الوصفات والنباتات حيث يقول "أنا على يقين أن عقار البروزاك لو نما على الشجر لكان الناس أكثر رغبة في تناوله".

تشير الدراسات والإحصائيات اليوم إلى ارتفاع نسب مرض الاكتئاب عالمياً، ولا شك في أن العالم العربي معني بهذه الأرقام. ولعل أهم ما يمكن استخراجه من الكتاب، ومن تجربة مؤلفه عموماً، هو أن بداية الطريق في سبيل الوقاية من استفحال هذا المرض، هو الاهتمام به، ولكن قبل كل شيء ينبغي التخلص من "وصمة العار" التي تصاحب المرض النفسي.


اقرأ أيضاً: الموسيقى والاضطرابات النفسية: دقّات قلب غير منتظمة

المساهمون