ما إن نقلت مصادر إعلامية غربية، يوم الجمعة الماضي، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن واشنطن قد تصدر قراراً يوم غدٍ الإثنين ضد "الحرس الثوري الإيراني"، تعتبره "جماعة إرهابية"، حتى خرجت من إيران ردود فعل "غاضبة وعنيفة" تحمل طابعاً تهديدياً، وصدرت عن مستويات مختلفة، سياسية وبرلمانية وعسكرية، ضد التوجه الأميركي.
وسيكون القرار الأميركي، في حال صدوره، الأول من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة، إذ لم يسبق أن صنّفت سابقاً القوات المسلحة لأي دولة كـ"جماعة إرهابية". لكن يبدو أن واشنطن، وفي إطار استراتيجية "الضغوط القصوى" ضد إيران، وبالذات على أعتاب الذكرى الأولى للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ترغب في الانتقال إلى مستويات متقدمة من التصعيد في وجه طهران.
وبناءً عليه، تعتزم الإدارة الأميركية، وفقاً للمبعوث الأميركي الخاص للشأن الإيراني، برايان هوك، تصفير الصادرات النفطية الإيرانية خلال الفترة المقبلة، إذ أكد الأخير أن واشنطن "لن تمدد الإعفاءات التي منحتها لثماني دول من مشتري النفط الإيراني"، التي تنتهي مع بداية شهر مايو/ أيار المقبل.
ويحمل القرار المرتقب دلالات واضحة في المنحى التصعيدي الخطير الذي أصبح يتخذه الصراع الأميركي - الإيراني، وهو يأتي تتويجاً لقرارات أميركية مماثلة خلال الآونة الأخيرة ضد القوات المتحالفة مع "الحرس الإيراني" في المنطقة، منها لواء "فاطميون" المشكل من مقاتلين أفغان شيعة، ولواء "زينبيون"، المكون من شيعة باكستان، وأخيراً حركة "النجباء" العراقية المنضوية تحت لواء "الحشد الشعبي".
وجاءت أولى الردود تجاه القرار الأميركي المزمع اتخاذه، من البرلمان الإيراني، إذ هدّد رئيس اللجنة القومية والسياسية الخارجية فيه، حشمت الله فلاحت بيشه، بالرد بالمثل على القرار الأميركي المحتمل، من خلال توصيف القوات الأميركية "دواعش"، والتعامل معها من هذا المنطلق.
ولم يكتف البرلمان الإيراني بذلك، بل أصدر اليوم بياناً حول الموضوع، حمل توقيع 255 نائباً، وأعلن فيه دعمه لـ"الحرس الثوري" في مواجهة الولايات المتحدة، باعتباره جزءاً من القوات المسلحة الإيرانية إلى جانب الجيش الإيراني.
وأضاف البيان أن الحرس الثوري "قدّم مساعدات استشارية لدول وشعوب المنطقة في مواجهة الإرهاب"، مشدداً على أن البرلمان الإيراني "إذ يعلن دعمه الكامل والشامل للقوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخصوصاً حرس الثورة الإسلامية، يعتبر الأمن القومي للشعب الإيراني والقوات المسلحة خطوطاً حمراء لممثلي الشعب في مجلس الشورى الإسلامي".
وتوعد المشرعون الإيرانيون بالرد بالمثل فوراً على القرار الذي قد يصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "لكي يندم على إجرائه الخاطئ والأحمق"، بحسب تعبير البيان.
الإجراءات الأميركية ضد الحرس الثوري الإيراني ليست جديدة، إذ سبق أن أدرجت الولايات المتحدة من قبل عشرات من الكيانات والأشخاص في قائمة سوداء لانتمائهم للحرس الثوري الإيراني، كان آخرها ضمّ وزارة الدفاع و"مصرف الأنصار" الإيراني إلى قائمة العقوبات "لدورهما في دعم فيلق القدس التابع للحرس الثوري"، وفقاً لبيان أصدره مكتب مراقبة الأصول في وزارة الخزانة الأميركية خلال شهر آذار/ مارس الماضي.
وصنّفت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2007 "فيلق القدس"، التابع للحرس الثوري الإيراني، كجماعة إرهابية، "لدعمه الإرهاب"، واصفة إياه بأنه "الذراع الرئيسية (لإيران) لتنفيذ سياستها بدعم الإرهابيين والجماعات المتمردة". في المقابل، حذرت طهران من رد "ساحق" إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في هذا التصنيف.
إلا أن استهداف "الحرس" الإيراني ككيانٍ واحد من خلال توصيفه "تنظيماً إرهابياً" في هذه الظروف التي تشهد تصعيداً ملحوظاً في الصراع بين واشنطن وطهران، يرقى إلى درجة إعلان حرب على إيران، وقد يمهد لاستهدافات ميدانية للقوات التابعة لهذا الجسم العسكري الإيراني، المنتشرة في ساحات إقليمية، وخصوصاً في سورية، باعتبارها "قوات إرهابية"، لتأتي الردود الإيرانية العنيفة بهذا الشكل، لثني الإدارة الأميركية عن اتخاذ قرار كهذا.
الأهداف والدوافع الأميركية، في حال اتخذ مثل هذا القرار فعلاً، متعددة، وهي تتجاوز مسألة توجيه رسائل "حادة" للجانب الإيراني، وكذلك الدخول في مرحلة جديدة في مواجهة الدور الإيراني في المنطقة من خلال استهداف الحرس الذي يقوده، إلى استهداف الثورة الإسلامية في إيران نفسها، والتي يعتبر "الحرس الثوري" الإيراني، كما هو واضح من اسمه، حارساً لها، إذ تختصر المادة 150 من الدستور الإيراني مهمته في "حراسة الثورة الإسلامية والحفاظ على إنجازاتها"، بالتالي فإن وضعه في دائرة الاستهداف الأميركي يعني استهداف الثورة الإيرانية بشكل مباشر.
وفي الإطار، كان القائد العام لـ"الحرس الثوري"، الجنرال محمد علي جعفري، قد صرح قبل عامين بأن "المادة 150 من الدستور قد أعطت مهمة للحرس تختلف عن مهمة بقية القوات المسلحة والنظامية، فنحن حارس الثورة الإسلامية".
وعليه، رفع جعفري، اليوم الأحد، النبرة في مواجهة الولايات المتحدة وقرارها المحتمل، ليهدد باستهداف القوات الأمنية الأميركية والجيش الأميركي في الشرق الأوسط، قائلاً إنه "في حال ارتكبت أميركا هذه الحماقة، فلن ترى قواتها الأمنية والجيش الأميركي من الآن فصاعداً الهدوء الذي تتمتع به اليوم، في الشرق الأوسط."
وكان لجعفري تهديدات مماثلة أيضاً، في عام 2017، بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة، عندما لمحت وسائل إعلام غربية إلى وجود توجه لدى الإدارة الأميركية الجديدة إلى تصنيف الحرس الإيراني "تنظيماً إرهابياً"، حيث توعد آنذاك بأنه في حال أقدمت واشنطن على هذه الخطوة، فستتعامل بلاده مع القوات الأميركية في المنطقة مثل "داعش"، قائلاً إنه "حينئدٍ يجب أن تبتعد القوات الأميركية ألفي كيلومتر عن حدود إيران"، وهي المساحة التي يغطيها مدى الصواريخ الإيرانية.
بدوره، رأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اليوم الأحد، أن الخطوة الأميركية المرتقبة ضد الحرس الإيراني "ستدخل واشنطن في مستنقع"، مضيفاً أنه "من الأفضل أن يعلم دونالد ترامب ذلك، لكي لا تحدث كارثة أخرى للولايات المتحدة".
كذلك اتهم ظريف المجموعات الأميركية الداعمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالوقوف وراء المحاولات الأميركية لوضع اسم "الحرس الثوري" على قائمة "التنظيمات الإرهابية" في الولايات المتحدة.