يؤكد القرار الذي اتخذه "الجيش الوطني"، التابع للمعارضة السورية، بإخراج فصائله من مدينة عفرين، ذات الغالبية الكردية من السكان، أن الاستياء الشعبي من تجاوزات بعض الفصائل بحق أهالي المنطقة والنازحين إليها من عدة مناطق سورية وصل إلى مستوى ينذر بانفجار كبير، يقابله استياء مماثل في كل المناطق التي يسيطر عليها هذا "الجيش" في غرب الفرات وشرقه، وصل إلى حد خروج تظاهرات منددة بممارسات مجموعات تنتمي إليه، تمتهن السرقة والخطف والاعتداء على المدنيين والاستيلاء على ممتلكاتهم.
وأصدر "الفيلق الثالث"، التابع إلى "الجيش الوطني السوري" أكبر تشكيلات فصائل المعارضة في الشمال السوري، تعميماً لجميع الفصائل المنضوية تحت رايته، أول من أمس الاثنين، بنقل جميع المقار العسكرية من داخل الأحياء السكنية في مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي إلى خارجها، خلال مدة أقصاها أسبوع من تاريخ إصدار التعميم.
وأوضح الناطق الرسمي باسم "الجيش الوطني" الرائد يوسف حمود، لـ"العربي الجديد"، أن "الجيش بصدد تجميع كل عناصر الفصائل في معسكرات خارج المدن، من أجل ترسيخ الاستقرار والهدوء في المدن والبلدات، من خلال خفض المظاهر المسلحة، وتسليم المسؤوليات للشرطتين العسكرية والمدنية، وحصر مهام الجيش الوطني بالعمل العسكري". وقال "هناك إجراءات أخرى لنفس الغاية". وكان أهالي وسكان مدينة عفرين خرجوا في تظاهرات أخيراً، طالبوا فيها بإخراج الفصائل من المدن والبلدات بسبب التجاوزات بحق المدنيين، والتي وصلت إلى حد التصفية المباشرة، تحت ذريعة الاتصال بـ"الوحدات" الكردية. ويشكل الأكراد غالبية سكان منطقة عفرين، التي باتت تعرف بـ"غصن الزيتون" منذ سيطرة الفصائل المعارضة والجيش التركي عليها مطلع 2018 عقب عملية عسكرية ضد "الوحدات" الكردية، التي ظلت مسيطرة على المنطقة لعدة سنوات.
سيتم تسليم المسؤوليات للشرطتين العسكرية والمدنية وحصر مهام "الجيش الوطني" بالعمل العسكري
وعاني أهالي منطقة عفرين والنازحون إليها من محافظات عدة من ممارسات مجموعات "عاثت فساداً في المنطقة من دون رقيب أو حسيب على مدى أكثر من عامين"، وفق مصادر محلية، أشارت إلى أن التجاوزات متعددة، "منها القتل والاعتقال ومصادرة ممتلكات، وخطف المدنيين من أجل طلب فدية". وحاول "الجيش الوطني" أكثر من مرة ردع هذه المجموعات، لكنه لم يستطع وضع حد نهائي لها. لكن الاستياء الشعبي المتصاعد، الذي يكاد يصل إلى مرحلة الانفجار، دفعه لمحاولة جديدة من أجل تفريغ مدينة عفرين تحديداً من المظاهر المسلحة. واستغلت عدة جهات انشغال الفصائل المعارضة بعمليات النهب والاستيلاء على ممتلكات المدنيين، من أجل ضرب الاستقرار وإشاعة الفوضى الأمنية في عفرين، التي شهدت عدة تفجيرات أدت الى مقتل مدنيين، أقساها كان تفجير صهريج مفخخ في سوق المدينة الرئيسي في إبريل/نيسان الماضي، وأدى إلى مقتل نحو 100 شخص، جلّهم من المدنيين. ودمّر التفجير غير المسبوق نحو 150 محلاً تجارياً في سوق عفرين التي نزح عدد كبير من أهلها الأكراد منذ سيطرة فصائل المعارضة عليها.
من جانبه، أشار القيادي في فصائل المعارضة السورية مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "التهديدات الأمنية للمجموعات الإرهابية، وما تقوم به من هجمات إرهابية متكررة، أسهمت بتأخير هذا القرار"، مضيفاً "للجيش الوطني مهام محددة تقوم على التحرير ومن ثم تأمين المنطقة وتسليمها لقوى الأمن الداخلي". وأكد أنه "سيتم تعميم هذا الإجراء على كل المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، عندما يكون الوقت مناسباً لذلك".
ويسيطر "الجيش الوطني" على ثلاث مناطق في الشمال السوري، هي منطقة "غصن الزيتون"، التي تضم مدينة عفرين وريفها، ومنطقة "درع الفرات" في غرب نهر الفرات، التي تضم عدة مدن في ريف حلب الشمالي الشرقي منها جرابلس والباب ومارع والراعي، ومنطقة "نبع السلام" شرق نهر الفرات، التي تضم مدينة تل أبيض وريفها في ريف الرقة الشمالي، ومدينة رأس العين وريفها في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
سيجري: خروج الفصائل من المدن المأهولة يتناسب مع ما تم إنجازه
ووصف القيادي في فصائل المعارضة العميد فاتح حسون خطوة إخراج الفصائل من عفرين بـ"الجيدة"، معتبراً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخطوة كانت مطلوبة منذ فترة. وأشار إلى أن وجود الفصائل في المدينة "كان مؤقتاً إلى حين تشكيل مؤسسات أمنية تستطيع حفظ أمن واستقرار المنطقة". وقال "حدث هذا بشكل جيد، ومن ثم خروج الفصائل من المدن المأهولة يتناسب مع ما تم إنجازه".
إلى ذلك، لا تزال منطقة "درع الفرات" تعيش حالة من الفلتان الأمني، خصوصاً في الباب، كبرى مدن هذه المنطقة التي تضم العديد من المدن والبلدات، سببها تواصل حرب النفوذ بين الفصائل. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الكثير من الفصائل تتخذ من مبانٍ مستولى عليها داخل المدن مقارّ لها "وهو ما يجعل من اقتتال هذه الفصائل سبباً في مقتل وإصابة مدنيين"، مشيرة إلى أن بعض الفصائل منشغلة بعمليات تهريب للبضائع من وإلى مناطق النظام و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وأوضحت المصادر أن خروج هذه الفصائل من المدن والبلدات والبقاء في معسكرات لها "مطلب شعبي ملحّ"، مضيفة "الجيش الوطني لم يعمل بشكل جاد على تشكيل مؤسسات وجهات مدنية فعالة في المنطقة تحفظ حقوق الناس وتحميهم".
وفي شرق الفرات، لا يزال التوتر سيد الموقف في مدينة تل أبيض الواقعة على الحدود السورية التركية مباشرة، عقب اعتداء عناصر من الشرطة العسكرية التابعة إلى "الجيش الوطني" على امرأة في بيتها. وخرجت نساء المدينة بأكثر من تظاهرة، للمطالبة بإخراج الفصائل من المدينة التي انتزعتها فصائل المعارضة السورية من "قسد" في أكتوبر/تشرين الأول 2019. ومارست فصائل المعارضة مختلف صنوف التجاوزات بحق المدنيين في المدينة من قتل واعتقال وسطو على ممتلكات، وسط مظاهر التسيّب الأمني الذي سمح لجهات بإدخال سيارات مفخخة إلى المدينة وبلدات في محيطها، أدت إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين. وكذا الحال، في مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، حيث استقال، الأسبوع الماضي، مجلسها المحلي احتجاجاً على تعيين مدير للمعبر الحدودي من خارج المنطقة، وهو شقيق أحد قادة الفصائل المسيطرة على المنطقة. وتعرضت المدينة لعدة تفجيرات إرهابية تتجه أصابع الاتهام إلى "الوحدات" الكردية بالوقوف خلفها، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات، آخرها تفجير وقع أواخر الشهر الماضي، أدى إلى مقتل 8 مدنيين، بينهم نساء وأطفال.