"الجوكر": الشرّ كنتيجة للقهر الاجتماعي

02 نوفمبر 2019
يؤدّي دور الجوكر الممثل الأميركي خواكين فينيكس (IMDB)
+ الخط -
حادثة قتل في قطار الأنفاق حوّلت آرثر، والذي يؤدّي شخصيَّة الجوكر، إلى رمزٍ لثورة ضدّ أغنياء المدينة. شخصية "آرثر" التي لعب دورها الممثل الأميركي، خواكين فينيكس، في فيلم "الجوكر" الصادر هذا العام، تعاني من اضطرابٍ يؤدّي إلى نوبات ضحك هستيرية في مواقف غير مناسبة. وكمحاولةٍ "لحلّ هذه المشكلة"، تقدّم له الخدمات الاجتماعية أدويةً لمعالجة هذه الحالة، أو على الأقلّ كي لا تسوء. آرثر يعيش في منزل مع أمه، ويعاني من العزلة في مجتمعه، ويعمل مع مجموعة من الناس في مجال الترفيه كمهرج، وأحياناً يقدم عروضاً في الشارع. ولكن، ليس هذا بالطبع هو العمل الذي يحلم به. إذْ يحلم أن يقدّم عروضاً كوميدية ("ستاند آب كوميدي")، متأثراً بشخصية مشهورة هي "مورري"، تبدع في تلك الأنواع من العروض، والتي لعب دورها في الفيلم الممثل روبرت دي نيرو. ثمَّة سببٌ آخر يجعل آرثر يعمل كمقدم عروض كوميدية، وهو أن أمَّه اعتادت على تحفيزه لـ"جلب الضحكة لهذا العالم الذي نعيش فيه". لم يكن آرثر موفقاً بالعمل في الكوميديا، واستمرَّ بالعمل كمهرج لإبهاج الأطفال، وكسب بعض المال.

بدا آرثر في الفيلم هزيلاً نحيلاً، ومستضعفاً من قبل الأشرار في المدينة، ونرى في أكثر من مرة، أنه تم الاعتداء عليه في الشارع، ليقوم زميله في العمل بإعطائه مسدساً. ومن تلك الحادثة، تغيرت حياة آرثر. فقد تم طرده من العمل بسبب إحضار المسدس معه إلى أحد العروض في مشفى للأطفال، وبعد طرده يتمَّ الاعتداء عليه في قطار الأنفاق من قبل ثلاثة أشخاص أغنياء يعملون كرجال أعمال، كانوا يتحرشون بفتاة معهم في العربة. تغادر الفتاة خائفة، ومن ثم يقومون بضربه بسبب ضحكه الهستيري، مما يحفز آرثر على قتل اثنين منهم كدفاع عن النفس، ومن ثم يلاحق الثالث، ويقوم بإعدامه في نفس المحطة.


تصريحات المرشح لعمدة المدينة، توماس واين، تثير الضجة في المدينة. فقد وصف أن حياة الأغنياء الذين قتلوا في القطار أهم من مهرجي المدينة، في إشارة منه إلى القاتل وإلى الفقراء، مما أشعل ثورة في المدينة ضد الأغنياء، وضد توماس واين ذاته. آرثر كان يعتقد أن واين هو والده، بعد أن أخبرته أمه بذلك، لأنها كانت تعمل في منزله كخادمة، وبأنَّه أقام معها علاقة سرية، ولكنه استخدم سلطته ونفوذه لإجبارها على عدم البوح بذلك. لكنَّه يكتشف أنه طفل متبنّى، وأن أمه كانت تعاني من أمراض نفسية وأوهام، فيقوم آرثر بقتل أمه في المشفى، بعد أن تم إسعافها إثر نوبة قلبية. ومن ثمّ ينتقم من كل شخص أساء معاملته في الماضي والحاضر، فيقوم بقتل زميله في العمل الذي أعطاه المسدس، ويقوم بقتل مقدم العروض الكوميدية "مورري" (دي نيرو)، بعد أن سخر من أحد عروض آرثر في الماضي، إذْ يقرر استضافته في إحدى حلقات برنامجه لمتابعة التهكم على آرثر، ليعترف على الهواء مباشرة، بقتله لرجال الأعمال في القطار، ومن ثمّ يطلق النار على مورري بدم بارد. يتمُّ اعتقال آرثر بعد ذلك، ولكن الثائرين يقومون باعتراض سيارة الشرطة، وتحريره ليرقص رقصة تشجيع وإبهاج للفقراء الثائرين.

فيلم جديد وقصة جديدة للتعاطف مع شخصية قاتل، لطالما تم تصويرها كذلك من خلال مجريات الفيلم. فلم نرَ الانحراف في سلوك "الجوكر" إلا بعد إغلاق الخدمات الاجتماعية وتوقيف أدويته، وأيضاً بعد معرفة أن والدته كذبت عليه لسنين طويلة وأخفت عنه بأنها جعلت صديقها يعتدي عليه جنسياً في طفولته. ناهيك عن طريقة تعاطي المجتمع معه بسبب حالته المرضية وشكله، إذْ أنَّ كل من حوله كانوا ينادونه بالمخيف والغريب. ولم يلجأ آرثر إلى العنف، إلا بعد شعوره بامتلاك القوة، والتي تجسَّدت بالسلاح، واستشعر القوة أيضاً بعد رؤيته الاحتجاجات في المدينة والفوضى التي عكست ما بداخله من تراكمات سني حياته.

أدّى خواكين فينيكس شخصية "الجوكر" بشكل ناجح، تمثلت بكل حركة من حركاته في الفيلم، وضحكه الهستيري، وخاصة في أداء الرقصة على الدرج الطويل في المدينة. الأمر الذي حول هذا الدرج إلى مقصد للكثير من المعجبين لالتقاط الصور هناك، مؤدين ذات الرقصة.
في فيلم "الجوكر"، من إخراج تود فيليبس، نرى الكثير من التقاطعات مع أفلام أخرى تحمل نفس الطابع السيكولوجي، كفيلم One Flew Over the Cuckoo's Nest الصادر عام 1997، من بطولة جاك نيكلسون الذي يصف من داخل المصح النفسي، أن وضع الشارع خارجاً ليس أفضل من المصح النفسي. وهنا نرى كيف سأل آرثر طبيبته النفسية أنه "هل أنا فقط، أم أن الحياة في الشارع أصبحت أكثر جنوناً؟".



والرقصة التي أداها آرثر في الفيلم، والتي بدت في بادئ الأمر طبيعية، إلى أن أصبحت رمزاً لثورة الفقراء ضد الأغنياء، تتقاطع مع فيلم V for Vendetta الصادر عام 2005، في مقولة "ثورة من دون رقصة، ليست بثورة ذات قيمة". قناع "الجوكر" كقناع سلفادور دالي من المسلسل الإسباني La casa de papel، هو قناع يكتسح ثورات الشعوب الحالية ضد طغيان أسيادها. فعلى الرغم من ظهور الأقنعة هذه في الأفلام بشكل شرير، إلا أنها تتلاقى مع أوجاع الشعوب المقهورة وتلامس أحاسيسها، فنحن لسنا بمهرَّجين، وأدوات تسلية لأسيادنا، وخلف تلك الأقنعة تقبع وجوه أرهقتها حياة طويلة من الذل والظلم.
دلالات
المساهمون