واستصدرت المحكمة الجنائية الدولية، قبل أكثر من خمسة أعوام، قراراً بتوقيف البشير على ذمة قضايا جرائم حرب متهمة "الجنجويد" بارتكابها بغطاء حكومي. وكانت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب قد طالت، إلى جانب البشير، وزير الدفاع الحالي، عبد الرحيم أحمد حسين، ووالي شمال كردفان، أحمد هارون، إضافة لأحد قادة العمليات العسكرية في الاقليم، علي كوشيب.
ويرى المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، أن ما أخرج قضية "الجنجويد" إلى العلن، هو الاهتمام الدولي بقضايا الانتهاكات بعد حرب "البوسنة والهرسك" واندلاع الحرب في دارفور مع التطور التقني، وتحول العالم إلى قرية صغيرة تنتقل فيها المعلومات بسرعة عبر وسائل الاتصال. ويؤكد الدوخ أن استراتيجية نظام الخرطوم تقوم على التعامل مع الصراع بشكل قبلي عبر إيجاد مجموعات قبلية تشاركها الحرب. ويوضح أن تلك العقلية لم تكن غائبة في حرب الجنوب ما قبل الانفصال، ولكن في حينها لم تجد الزخم الاعلامي والدولي الذي وجدته قضية دارفور.
ويبدو أن مَن ينتقدون "الجنجويد" يعاقبون فوراً، فقد وجه زعيما حزبي "الامة القومي"، الصادق المهدي، و"المؤتمر السوداني"، إبراهيم الشيخ، المعارضان، انتقادات أكدا فيها أن "الجنجويد" ترتكب انتهاكات في دارفور. انتقادات كانت كفيلة بأن تودع الرجلين في السجن لينتظرا محاكمة بتهم تتعلق بـ"تقويض النظام الدستوري والتحريض ضد الدولة"، تصل عقوبتها إلى الإعدام.
أصل الكلمة
تصرّ "قوات الدعم السريع" على أنها قوات نظامية، وليست ميليشيا، وترفض إطلاق لفظ "الجنجويد" عليها. وهذا المصطلح عُرفت به مجموعة القبائل العربية التي قاتلت مع الحكومة إبان اندلاع الحرب في دارفور عام 2003، وحتى الآن.
ولا يوجد رأي واحد لأصل الكلمة، فهناك مَن يرى أن لفظ "جنجويد" يطلق على مجموعة شباب من دولة تشاد المجاورة للبلاد، عُرفوا بالنهب والسرقة. ويُرجع آخرون أصل تسمية "الجنجويد"، إلى إحدى الشخصيات المعروفة في درافور، وهو حامد جنجويد، الذي كان يقود عصابة سرقة. ومع بداية سيطرة النظام الحالي على حكم البلاد عبر الانقلاب العسكري في العام 1989، بدأ في محاربة حامد، الذي شكل خطراً عليها، وصدرت بحقه أحكام إعدام. وكان آخر نشاط لمجموعة حامد، ضد الحكومة، نهب فرع للمصرف المركزي في نيالا في عام 1998. وبعد اندلاع الحرب في دارفور، أسقطت عنهم الحكومة في الخرطوم التهم، وأدرجوا ضمن برنامج "التائبين"، واستوعبتهم في قوات جديدة أطلقت عليها تسمية "حرس الحدود"، ومنذ ذلك الحين، التصق بهم اسم "جنجويد".
كما يقال إن أصل الكلمة جاء من تركيب عدد من الحروف في جملة "جِن راكب جواد يحمل جي سري"، وهو نوع من الأسلحة.
التكوين
يطلق لفظ "الجنجويد"، عادة، على مجموعة القبائل العربية التي استنفرتها الحكومة في الخرطوم، إبان اندلاع الحرب في دارفور للقتال إلى جانبها. وهم في الاصل يمتهنون الرعي، وعرفوا بثرواتهم من الإبل والابقار، وأبرزهم قبائل الرزيقات، بني هلبه، الزغاوية المساليت، والبديات.
وشهدت الحرب في دافور جملة انتهاكات تمت خلالها إبادة قرى بالكامل على يد الجنجويد، بحسب الاتهامات الموجهة إليهم، الامر الذي قاد إلى قتل وتشريد الملايين الذين لا يزالون في المعسكرات، على الرغم من مرور 11 عاماً على الحرب، وتوقيع الحكومة اتفاقيات سلام مع الحركات المتمردة، أهمها اتفاقيتا أبوجا، التي فشلت، وعاد أكبر فصيل موقع عليها إلى التمرد مرة أخرى، واتفاقية الدوحة التي تواجه حالياً عثرات.
وبرز اسم زعيم قبيلة "المحاميد"، موسى هلال، كقائد لـ"الجنجويد"، ولا سيما بعدما أسهم في فترة من الفترات في استنفار أهله للقتال مع الحركات المسلحة جنباً الي جنب مع الحكومة، باعتباره الزعيم القبلي والسياسي لهم ويدينون له بالولاء. لكن الرجل الذي ساعد النظام في حربه، يختلف معه حالياً، ويقود تمرداً، وقد سيطر على مناطق في شمال دارفور، من دون أن تتخذ الحكومة أي إجراء ضده، ولم تُسقط عضويته في البرلمان، أو حتى تنتقده علناً.
ويفسر مراقبون ذلك، بأنه ناتج عن خوف الحكومة من أن يقلب الموازين ويحرك قوات "الجنجويد" لقتالها. ويؤكد ذلك أن هناك شعرة بين تمرد هذه القوات على الحكومة، أو مناصرتها.
القائد الميداني للدعم السريع
برز القائد الميداني لـ"قوات الدعم السريع"، محمد حميدتي، خلال الفترة الاخيرة، وأًصبح حديث الوسط السوداني، وخصوصاً أن وسائل الإعلام قد سلّطت الضوء عليه بشكل مكثف.
ويُعدّ حميدتي، بحسب مقربين منه، من تلاميذ ابن عمه موسى هلال، وكان ضمن "حرس الحدود" الذي أسهم بشكل كبير في استقطاب القبائل العربية. لكنه عاد وتمرد على الحكومة عقب التوقيع على اتفاق أبوجا، مع مجموعة من الفصائل الدارفورية بقيادة حركة "تحرير السودان" (جناح مني أركو مناوي) في العام 2006. وسحب حميدتي قوة من "حرس الحدود"، يملك تأثيراً قبلياً عليها، وانضم إلى إحدى الفصائل الدارفورية المتمردة. لكن الحكومة، في حينها، نجحت في إقناعه بالعودة إلى أحضانها، بعدما وافقت على طلباته، وأعطته تطمينات، ووعدت بترقيته، فتمت المصالحة في النهاية، ليصبح داعماً لـ"قوات الدعم السريع".
بالأرقام
يجيد "الجنجويد" حرب العصابات، ويعتبر مقاتلوها شرسين في الحرب، ويؤمنون بأن الفرار من المعركة عيب كبير ووصمة عار. جميعها عوامل قادت الحكومة للاستعانة بهم، باعتبار أن الجيش النظامي تنقصه الخبرة في مثل هذه الحروب.
ويقول رئيس "مجلس شورى القبائل العربية" في شمال دارفور، إبراهيم عبد الله إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إن فشل الحركات المتمردة في الحرب ونجاح القبائل العربية في هزيمتهم، تسببا بإطلاق لفظ "الجنجويد" عليها للنيل منها، لأن اللفظ يطلق على مجموعة اللصوص.
ويوضح إسماعيل أنه "في البداية، أطلقوا عليهم اسمم الباش مرقة"، مؤكداً أن الحكومة جندت القبائل العربية بشكل رسمي ضمن وحدة "حرس الحدود"، التابعة للقوات المسلحة، ومنحوا رتباً عسكرية لرموز تلك القبائل. ويضيف أن "هذا أمر مألوف أن يكون لكل دولة قوة احتياطية، وهذا معمول به حتى في الولايات المتحدة". ويشدد على أن مساحات تواجد القبائل العربية المحسوبة على "الجنجويد"، بعد الحرب، وصلت إلى 75 في المئة من مساحة الأقاليم، تسيطر عليها 60 قبيلة من أصل 118 في دارفور. ويشير إسماعيل إلى أن لدى "الجنجويد" 19 ألف مقاتل، بعضهم لم يدخلوا في الصراع و"مجندون لليوم الأسود".