01 أكتوبر 2022
"التوازنات والضوابط" تحت الاختبار
لطالما تفاخر الأميركيون بآبائهم المؤسسين الذين وضعوا، قبل أكثر من قرنين، نظاماً قانونياً عبقرياً مُصمماً خصيصاً لمنع أي ميول استبدادية. يقوم هذا النظام على تفاصيل معقدة، تجعل كل السلطات مُوزعة بين عدة جهات، وكل جهة تراقب الأخرى، أو تملك تعطيل قرارها، بالإضافة إلى تداخلات السلطة الفيدرالية للدولة مع السلطات الواسعة للولايات، والتي تشمل إصدار قوانينها الخاصة، وتشكيل قواتها المسلحة الخاصة الممثلة بشرطة الولاية. وعلاوة على ذلك كله، يُشهر النظام الأميركي خط دفاعه الأخير: حق كل مواطن في امتلاك سلاحه للدفاع عن حقوقه، لذلك يُعرف النظام الأميركي بنظام الضوابط والتوازنات (checks and balances).
لكن هذا اليقين كان قد بدأ بالتزعزع، بسبب القرارات المتسارعة للرئيس دونالد ترامب، والإيحاء الذي يتعمده بأنه قادرٌ على فعل أي شيء يريده، إلى حد أن الفيلسوف والباحث فرانسيس فوكوياما كتب، في مقاله أخيرا، إن رئاسة ترامب ستكون اختباراً رائعاً لمدى قوة المؤسسات الأميركية، وأن هذا النظام في الواقع لم يتم اختباره أمام تحدٍ حقيقي طوال تاريخه، مثل رئيس يحمل مسبقاً نية تغيير القواعد الدستورية المستقرة.
شاهدنا، خلال الأسبوع الماضي، عدة تطورات لمعركة الرئيس والمؤسسات. أولاً خسر ترامب نهائياً جولته في قانون قائمة حظر السفر، بعد أن نقض قاض فيدرالي القرار، ولم تحاول الرئاسة إعادة المحاولة مع جهة أخرى، في اعتراف بالهزيمة.
جبهة أخرى ما زالت مفتوحة ضد ترامب هي مدى علاقته بأصدقائه الروس. وهنا أيضاً تلقى ترامب صفعة شديدة الإيلام، باستقالة الجنرال مايك فلين، مستشاره للأمن القومي، بعد 24 يوماً فقط من توليه منصبه. الفضيحة كشفتها صحيفة واشنطن بوست التي نقلت عن مسؤولين سابقين وحاليين في أجهزة أمنية واستخباراتية عن وجود تسجيلات تجمع فلين بالسفير الروسي في واشنطن، وطلب منه عدم رد موسكو على قرار الرئيس باراك أوباما فرض عقوبات عليها، انتظاراً لقدوم صديقهم ترامب الذي لن يقوم بهذه الأفعال.
ينتهك هذا مبدئياً قانوناً أميركياً يحظر تواصل المواطنين مع الدول الأجنبية لدعم ما يعادي سياسات الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن مايك، في محاولاته العبثية للهرب، أنكر حدوث هذه المكالمات، ثم عاد ليقول إنه لا يذكر. وهكذا أضيفت اتهامات أخرى إلى قائمة ما يُحاسب عليه، بالإضافة إلى الكذب بطبيعة الحال، فهناك أيضاً انتهاك لقاعدة عدم جعل الموظف العام "قابلاً للابتزاز"، وقد اعتُبر مايك قابلاً للابتزاز الروسي بهذه المكالمة، حسبما رأت وزارة العدل التي أرسلت هذه الإفادة إلى الرئاسة بدورها.
ربما مايك ليس الأخير، فحسب "نيويورك تايمز"، تفحص الأجهزة الأمنية مكالمات تخص أفراداً من حملة ترامب مع مسؤولين كبار بالمخابرات الروسية.
يعتبر الاقتصادي دارون أسيموغلو، في كتاب نُشر عام 2012 بعنوان "لماذا تفشل الأمم"، أن أهم ما يميز نجاح الدول أو فشلها هو وجود المؤسسات المستقرة، لكن دارون الآن، على الرغم من انتمائه لبلد ذي مؤسسات عريقة للغاية، أصبح يتخوف من أن نظام الضوابط والتوازنات العتيد قد لا يكون قوياً بالقدر الكافي، خصوصا أن ترامب يملك أغلبية مجلسيّ النواب والشيوخ، بالإضافة إلى حقه في تعيين قيادات في السلطة القضائية. ويرى دارون أن هناك دوراً رئيسياً الآن للمجتمع المدني، ممتدحاً نزول الملايين إلى الشوارع ضد ترامب، وهو ما يُدخل عنصراً آخر في معادلة الرئيس والمؤسسات.
سيكون الصراع بين الرئيس والمؤسسة في أميركا نموذجاً مهماً لكل الأطراف المعنية بالسياسة، حيث سنشاهد إجابة لجدلية هل تغير المؤسسات الشخص أو تحتويه أو تحجمه؟ أم بالعكس يمكن للفرد أن يطغى على المؤسسات، مهما كانت قوتها؟ أم أن ما يحدث هو مزيج من التفاعل في الاتجاهين؟
لكن هذا اليقين كان قد بدأ بالتزعزع، بسبب القرارات المتسارعة للرئيس دونالد ترامب، والإيحاء الذي يتعمده بأنه قادرٌ على فعل أي شيء يريده، إلى حد أن الفيلسوف والباحث فرانسيس فوكوياما كتب، في مقاله أخيرا، إن رئاسة ترامب ستكون اختباراً رائعاً لمدى قوة المؤسسات الأميركية، وأن هذا النظام في الواقع لم يتم اختباره أمام تحدٍ حقيقي طوال تاريخه، مثل رئيس يحمل مسبقاً نية تغيير القواعد الدستورية المستقرة.
شاهدنا، خلال الأسبوع الماضي، عدة تطورات لمعركة الرئيس والمؤسسات. أولاً خسر ترامب نهائياً جولته في قانون قائمة حظر السفر، بعد أن نقض قاض فيدرالي القرار، ولم تحاول الرئاسة إعادة المحاولة مع جهة أخرى، في اعتراف بالهزيمة.
جبهة أخرى ما زالت مفتوحة ضد ترامب هي مدى علاقته بأصدقائه الروس. وهنا أيضاً تلقى ترامب صفعة شديدة الإيلام، باستقالة الجنرال مايك فلين، مستشاره للأمن القومي، بعد 24 يوماً فقط من توليه منصبه. الفضيحة كشفتها صحيفة واشنطن بوست التي نقلت عن مسؤولين سابقين وحاليين في أجهزة أمنية واستخباراتية عن وجود تسجيلات تجمع فلين بالسفير الروسي في واشنطن، وطلب منه عدم رد موسكو على قرار الرئيس باراك أوباما فرض عقوبات عليها، انتظاراً لقدوم صديقهم ترامب الذي لن يقوم بهذه الأفعال.
ينتهك هذا مبدئياً قانوناً أميركياً يحظر تواصل المواطنين مع الدول الأجنبية لدعم ما يعادي سياسات الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن مايك، في محاولاته العبثية للهرب، أنكر حدوث هذه المكالمات، ثم عاد ليقول إنه لا يذكر. وهكذا أضيفت اتهامات أخرى إلى قائمة ما يُحاسب عليه، بالإضافة إلى الكذب بطبيعة الحال، فهناك أيضاً انتهاك لقاعدة عدم جعل الموظف العام "قابلاً للابتزاز"، وقد اعتُبر مايك قابلاً للابتزاز الروسي بهذه المكالمة، حسبما رأت وزارة العدل التي أرسلت هذه الإفادة إلى الرئاسة بدورها.
ربما مايك ليس الأخير، فحسب "نيويورك تايمز"، تفحص الأجهزة الأمنية مكالمات تخص أفراداً من حملة ترامب مع مسؤولين كبار بالمخابرات الروسية.
يعتبر الاقتصادي دارون أسيموغلو، في كتاب نُشر عام 2012 بعنوان "لماذا تفشل الأمم"، أن أهم ما يميز نجاح الدول أو فشلها هو وجود المؤسسات المستقرة، لكن دارون الآن، على الرغم من انتمائه لبلد ذي مؤسسات عريقة للغاية، أصبح يتخوف من أن نظام الضوابط والتوازنات العتيد قد لا يكون قوياً بالقدر الكافي، خصوصا أن ترامب يملك أغلبية مجلسيّ النواب والشيوخ، بالإضافة إلى حقه في تعيين قيادات في السلطة القضائية. ويرى دارون أن هناك دوراً رئيسياً الآن للمجتمع المدني، ممتدحاً نزول الملايين إلى الشوارع ضد ترامب، وهو ما يُدخل عنصراً آخر في معادلة الرئيس والمؤسسات.
سيكون الصراع بين الرئيس والمؤسسة في أميركا نموذجاً مهماً لكل الأطراف المعنية بالسياسة، حيث سنشاهد إجابة لجدلية هل تغير المؤسسات الشخص أو تحتويه أو تحجمه؟ أم بالعكس يمكن للفرد أن يطغى على المؤسسات، مهما كانت قوتها؟ أم أن ما يحدث هو مزيج من التفاعل في الاتجاهين؟