في أقصى شمال شرق العاصمة الإيرانية طهران، تحديداً في منطقة حكيمية، ورث عباس افتخاري أرضاً عن والده بقيت مهملة لسنوات طويلة. وافتخاري المعماري المعروف في بلاده وخارجها بتصميم مشاريع مختلفة وبناء مجسمات كبيرة مميزة، فكّر مرات عدة في الاستفادة من أرضه هذه بطريقة مختلفة لا سيّما أنه شعر بأنها تستطيع أن تحمله بعيداً عن كل ضوضاء العاصمة.
وكان قرار افتخاري الذي يحمل شهادة الدكتوراه في التصميم الداخلي والتصميم الصناعي، أن يبني منزل أحلامه. أما الهدف منه فليس السكن وحسب، إنما تضمينه كل المميزات التي قد تجعله منزلا مختلفاً وصديقاً للبيئة وصديقاً لمدينته طهران في الوقت ذاته. قبل ثماني سنوات، راح يصمم وفريق عمله المكوّن من خمسين مهندساً منزله هذا، بمساحة 300 متر مربع لا أكثر. خطر في بالهم بناء منزل متنقل يسهل فكه وتحريكه، شريطة أن يكون من مواد مناسبة. ووقع خيارهم جميعاً على الخشب الذي يستطيع أن يضفي جمالية على المكان وأن يقلص من الضرر الذي تلحقه المنازل والأبنية الإسمنتية الشاهقة بالبيئة، بحسب ما يقول.
رسم وفريقه التصاميم وحضروا الأخشاب الصلبة، لكنهم اضطروا إلى مواجهة بعض المشكلات. للخشب أعداء كالرطوبة والماء والنار والحشرات، فراحوا يفكرون طويلاً بطرق مواجهتها وتفاديها. ويخبر أن "كتب التاريخ أنقذتني. راجعت تاريخ العمارة الإسلامية، إذ إن مساجد كثيرة كانت قد بنيت من الخشب واستطاعت الصمود طويلاً. ووجدت الحل. نقعنا الأخشاب بمواد خاصة وجعلناها طاردة للحشرات ومقاومة للرطوبة في حين تمنع المياه من التسرّب عبرها".
خلال ثلاثة أيام فقط، بُني منزل الأحلام. هو يتألف من ثلاث طبقات، ويشمل مكتباً للعمل ومساحة خاصة للعائلة. فيه، استخدم زخارف الهندسة المعمارية الإسلامية وألوانها. أما الضوء الذي يدخل عبر النوافذ الملونة بالأحمر والأصفر والفيروزي، فيضفي جمالية على المكان. إلى ذلك، حفر افتخاري مساراً أمام منزله لنهر صغير جار، ووضع فيه أسماكاً حمراء اللون. وبات أفراد العائلة الصغيرة المكونة من أربعة أفراد، يعيشون في هذا المكان الذي لم يثقوا بداية في قدرته على الصمود.
اقرأ أيضاً: طهران العاصمة.. مخاطر كثيرة تهدّد احتفاظها باللقب
اليوم، بمجرّد الدخول من بابه الخشبي، تشعر بأنك ابتعدت كيلومترات كثيرة عن المدينة المزدحمة وضجيجها. ويركّز افتخاري على مميزات منزله هذا، قائلاً إنه منزل قابل للفك والحمل والنقل، كذلك فإن نوافذه تعزل الأصوات الخارجية. من جهة أخرى، تأتي نوافذه أيضاً عازلة للحرارة، وهو بني بطريقة خاصة ليمرّ به مسرب هواء بارد. وهذا ما يجعلهم غير محتاجين إلى التبريد صيفاً، ما يعني توفير الطاقة الكهربائية. ولا يوفر افتخاري الكهرباء بهذه الطريقة وحسب، إنما باستخدام ألواح للطاقة الشمسية وضعها على سطح المنزل، للإنارة. وللتدفئة شتاءً، استخدم تقنية لتسخين الأرضية.
يرى افتخاري أن "البيوت العادية تحتاج إلى كميات كبيرة من الإسمنت والحرارة لبنائها، كذلك تتطلب حرق الوقود واستهلاك مصادر الطاقة. وكل هذا يفرز ملوثات للبيئة ويستهلك طاقة. لكن البيت الخشبي هو صديق للبيئة، إذ إن أضراره أقل بكثير".
من جهة أخرى، يأتي هذا المنزل مقاوماً للسيول وللزلازل. وهذه نقطة أساسية لمن يعيش في طهران. عندما يختار ساكنوها منازلهم، هم يدققون في البناء وما إذا كان يراعي المعايير الفنية والهندسية ويقاوم الزلازل. وهذا أمر بديهي، إذ إن المدينة تقع على أربعة تصدعات زلزالية، واحتمال حدوث هزات فيها كبير للغاية.
بالنسبة إليه، "يستطيع هذا المنزل الصمود 350 عاماً وفوائده عديدة. أما المحافظة عليه فأمر سهل لا يحتاج إلى مصاريف أخرى بعد بنائه. مثلاً، لا حاجة لإعادة دهن أو طلاء الجدران المبنية من ألواح الخشب، بل يكفي طلاء الخشب بمادة خاصة مرّة كل 25 عاماً. كذلك فإن وسائل التبريد والتدفئة لا تحتاج إلى صيانة".
ويقرّ افتخاري بأن تكلفة بناء منزل الأحلام هذا كبيرة، نحو خمسة ملايين دولار أميركي. والسبب هو نوع الأخشاب، وطرق تجهيزه. ويلفت إلى أن هذه الفكرة انطلقت لتكون مشروعاً استثمارياً يجلب له الزبائن ويفيد البيئة في الوقت ذاته. ويوضح أن "المشروع يستهدف فقط 0.5% من أبناء المجتمع الإيراني، الأغنياء والتجار والقادرين على الاستثمار في مشاريع من هذا النوع، وإن كان البعض لا يتشجّع لبناء منازل من هذا النوع. لكن من الممكن بناء مطاعم أو فنادق بالطريقة ذاتها". وبالفعل، بنى افتخاري مطعماً إيرانياً في حديقة "آب وآتش" الواقعة غرب العاصمة بالطريقة نفسه.
اقرأ أيضاً: جدال حول نقل العاصمة الإيرانيّة