في كتابها "الانقراض السادس، تاريخ لا طبيعي"، تبحث المؤلّفة إليزابيث كولبرت العلاقة بين البشر والبيئة، وتخلص إلى أن السلوك البشري على وشك التسبّب (أو ربما يكون قد بدأ بالفعل) في حدوث انقراض جماعي هو السادس في تاريخ الكوكب.
الكتاب الذي صدرت ترجمته مؤخراً ضمن سلسلة "عالم المعرفة"، وقد أنجزها كل من أحمد السماحي وفتح الله الشيخ، حازت صاحبته، الكاتبة الأميركية الثابتة في "نيويوركو"، جائزة "البوليتزر" عن الكتابة غير الأدبية في 2015.
وكانت كولبرت حازت سمعة كبيرة بكتابها الأول "ملاحظات ميدانية من كارثة" (2006)، الذي تقدم فيه نوعاً نادراً من الكتابة في البيئة والجغرافية وتاريخ الإنسان، وقد عززت بعملها "الانقراض السادس" سمعتها ككاتبة تُعنى بمواضيع تحتاج إلى نوع محدّد ودقيق من المعرفة وموهبة في جمع المعلومات والاستقصاء والتحقق منها.
في إحدى رحلاتها الاستشكافية، زارت الكاتبة بنما، حيث، وبسبب الحرارة المرتفعة، انقرض عدد الضفادع الذهبية التي كان من الصعب ألا تراها في كل مكان في البلاد، إلى بضع عشرات، وكان انقراضها دافعاً خلف بحث المؤلفة في الانقراض، موضوع هذا الكتاب.
تتناول كولبرت تاريخ الانقراض وعلاقته بتاريخ العلوم، فتقول إن البشر لم يكونوا على دراية بأن هناك كائنات قد انقرضت فعلاً بسببهم، إلى أن جاء عالم الطبيعة جورج كوفيير واقترح لأول مرة أن بعض الأنواع التي عاشت قبل آلاف السنين لم تعد حية، وحتى بعد أن نشر تشارلز داروين كتابه "أصل الأنواع"، لم يدرك العلماء أن الإنسان مسؤول عن انقراض مئات الحيوانات، وظل الأمر كذلك حتى أواخر القرن التاسع عشر.
بحسب الكتاب، فإننا نعيش في فترة "الأنثروبوسين" من تاريخ كوكبنا، وهو العصر الذي تعرّفه الكاتبة بأنه يقوم على تلاعب البشر ببيئاتهم، ما أدى إلى انقراض العديد من الأنواع المختلفة أو إلى قرب انقراضها. عند فحص السجل الأحفوري، يلاحظ المرء العديد من النقاط في تاريخ الكوكب عندما يكون هناك انقراض جماعي مثل النظريات التي قالت باصطدام الكواكب وغيرها. ومع ذلك، فإن الانقراض السادس الذي نعيش فيه جميعاً، وفقاً للكاتبة، سيكون فريداً من نوعه في تاريخ الأرض لأنه سيكون بسبب البشر.
يشرح الكتاب كيف أدّى حرق الوقود الأحفوري وانتهاك الغابات إلى زيادة في درجة حرارة مياه المحيطات، ما يعني أن المخلوقات البحرية سوف تضطر إلى التكيُّف مع البيئة المتغيّرة أو تفنى. لدراسة ذلك، سافرت كولبرت إلى "الحيّد المرجاني العظيم" في أستراليا، حيث يزيد تأثير ارتفاع درجة الحرارة والحموضة من الطحالب والعوالق في النظام البيئي، ويؤدي بدوره إلى تقليل كمية التغذية المتاحة للحيوانات الكبيرة. كما زارت الغابات الاستوائية المطيرة في أميركا الجنوبية، حيث يشهد التنوع الذي كان هائلاً للحياة هناك تناقصاً كبيراً، ما اضطر الكثير من الكائنات إلى الهجرة على أمل إيجاد بيئة مماثلة لتلك التي اعتادوا عليها.
في محاولة لمنع الانقراض السادس، يحاول بعض العلماء حماية حيوانات مهدّدة بالانقراض مثل وحيد القرن، وتهيئة الظروف له للتكاثر بسرعة أكبر. ومع ذلك، فإن السبب الوحيد الذي يجعل حيوانات وحيد القرن والحيوانات الكبيرة الأخرى على وشك الانقراض هو أن البشر قد اصطادوها. في الواقع، كان البشر يصطادون الثدييات الكبيرة لعشرات الآلاف من السنين، ومن المحتمل جداً أنّ المخلوقات التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ قد انقرضت لأن البشر الأوائل قضوا عليها، مما يوحي بأن الانقراض السادس بدأ قبل آلاف السنين، أي قبل وقت طويل من الثورة الصناعية.
تقرّ كولبرت بأن كتابها يرسم صورة قاتمة للجنس البشري، ومع ذلك فإن لدى البشر القدرة على الحفاظ على البيئة مثلما هم قادرون على إهلاكها.