وتبلغ حصة طهران في مجلس الشورى الإسلامي 30 مقعداً من أصل 290. سيطر على هذه المقاعد خلال الدورات الثلاث السابقة نواب محسوبون على التيار المحافظ، لكن هذه الدورة الانتخابية للبرلمان العاشر، شهدت تقدماً لـ"المعتدلين" من المحافظين أكثر من المتشددين. وعلى الرغم من أن رئيس لائحة الإصلاحيين محمد رضا عارف تصدّر قائمة النتائج عن دائرة طهران مرات عدة خلال مراحل الفرز الأولية، لكن الجدير بالذكر أن قائمته المسماة بلائحة "الأمل"، مكوّنة في غالبيتها من مرشحين ينتمون لخط "الاعتدال"، وهو الخط الذي يعد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، أكبر هاشمي رفسنجاني، أباه الروحي، ويقوده عملياً الرئيس الإيراني حسن روحاني.
فضّل أهالي طهران التصويت للوائح "الاعتدال" المتعددة، وللائحة "الأمل" خصوصاً، وكلها قوائم ضمت أسماء مشتركة ومكرّرة من كلا التيارَين. كانت هذه الاستراتيجية هي الطريقة الوحيدة لعودة تدريجية للإصلاحيين لمراكز صنع القرار. ولا سيما أن لجنة صيانة الدستور استبعدت عدداً كبيراً من مرشحيهم للانتخابات التشريعية الذين غابوا عنها منذ احتجاجات عام 2009، التي أثارها مناصرو المرشح الإصلاحي ميرحسين موسوي تشكيكاً بنزاهة الانتخابات الرئاسية في ذاك العام، والتي فاز فيها المحافظ محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية.
ونال "المعتدلون"، ومعهم الإصلاحيون، امتياز ثقة الشارع الإيراني ولا سيما في العاصمة طهران، التي لوحظت فيها نسبة مشاركة جيدة من قبل الناخبين. كان هذا هو الاختبار الأول لكلا التيارين السياسيين اللذين تفوقا معاً في دائرة العاصمة، وهي الدائرة الأضخم. توجّه الناخب إلى الصندوق بعد أزمة ثقة اعترت الشارع لسنوات، وهو ما ينبئ بعودة قريبة قوية للإصلاحيين لمراكز عدة، ويزيد التوقعات بمشاركة أقوى لهم في انتخابات أخرى. كما يعني الأمر أن "الاعتدال" نجح في مهمته.
هذه المهمة بدأها الرئيس حسن روحاني خلال فترة ترشحه لكرسي الرئاسة قبل أكثر من عامين. أطلق حينها شعارات ووعود اقتصادية، وتعهّد بحل أزمة الملف النووي، وإلغاء العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطنين لسنوات. وهذا ما حدث منذ فترة قريبة. وركّز الموالون لتيار "الاعتدال" ومعهم مرشحو الإصلاح على هذا الإنجاز. وأكدوا في شعاراتهم الانتخابية على ضرورة الانفتاح على الآخرين لتحسين الاقتصاد، وهو العنوان الأول الذي يعني كل مواطن إيراني، ولا سيما ذلك الذي يقطن في المدن الكبرى، وتحديداً طهران.
نجاح "الاعتدال والإصلاح" في العاصمة طهران وحصوله على مقاعد عدة في البرلمان، يعني أن الشارع منح ثقته لهؤلاء، وهذا طبيعي، بحسب مراقبين، في وقت يمثّل فيه الشباب الإيراني ثلثَي الهرم السكاني. وسجل هؤلاء مشاركات واسعة في الانتخابات، ومن الطبيعي أن يصوتوا لمن هو بعيد عن التشدد.
اقرأ أيضاً: مرشحو البرلمان من الإصلاح والاعتدال يتقدمون بطهران
السيناريو ذاته تكرّر في انتخابات مجلس خبراء القيادة. فحصة طهران في المجلس المخوّل بتعيين خلف للمرشد الأعلى هي الأكبر من بين كل المحافظات، وتبلغ 16 مقعداً من أصل 88. تصدّر رفسنجاني قائمة النتائج الأولية مرات عدّة منذ بدء الفرز. اختلفت مرتبة روحاني من بعده بين الثاني والثالث. وكان من اللافت تراجع رئيس الخبراء الحالي محمد يزدي، وحتى رئيس لجنة صيانة الدستور أحمد جنتي. وكل هذا إنْ دلّ على شيء، فهو يؤشر إلى وجود عوامل في طهران وحدها، ساعدت على تقدُّم هؤلاء.
في المقابل، لا يمكن تجاهل تقدُّم المحافظين في مناطق إيرانية أخرى، سواء من ترشّح للبرلمان أو للخبراء، مثل عضو مجلس الخبراء الحالي، رجل الدين المحافظ أحمد خاتمي، الذي حلّ بالمرتبة الأولى في كرمان، بالإضافة إلى رئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني، الذي تصدّر نتائج الخبراء في مازندران. وفي مناطق أخرى، مثل دائرة قم، وصل رئيس مجلس الشورى الإسلامي الحالي علي لاريجاني بسهولة لمقعده في البرلمان على الرغم من ترشحه كمستقل.
على الرغم من تقدم "المعتدلين" والإصلاحيين في مناطق دون أخرى، لا يمكن تجاهل أن بعض رجال الدين من المحافظين حجزوا مقاعدهم مبكراً في مجلس الخبراء الجديد. ومع ذلك، نجح رفسنجاني باستحقاق آخر. فهذا الأخير فشل في انتخابات رئاسة الخبراء الأخيرة التي جرت العام الفائت، ونجح فيها محمد يزدي باقتراع داخلي للأعضاء، عقب وفاة رئيس الخبراء السابق، محمد رضا مهدوي كني. فأثبت رفسنجاني اليوم، أنه قادر على المنافسة في الشارع. وستتجه الأنظار نحوه من جديد في المستقبل القريب في حال ترشحه للرئاسة مجدداً. وحينها ستظهر مراكز القوة الحقيقية داخل المجلس، وسيعرف ما إن كانت بيد "المعتدلين" أم المحافظين، بحسب بعض المراقبين.
أما في ما يخص مجلس الشورى الإسلامي، فاختلاف تركيبته أصبح جلياً للجميع. فوز لائحة الإصلاحيين ونجاح "المعتدلين" باكتساح مقاعد طهران، يعني النجاح بعودة تدريجية لممثلي الإصلاح أولاً، وبرلمان مركّب ثانياً. كما لا يجب التغاضي عن نقطتين أساسيتيْن؛ الأولى أن عدداً كبيراً ممّن اتحدوا مع الإصلاحيين، هم في الأصل "معتدلين" من التيار المحافظ. والثانية، أن التشكيلة النهائية لمجلس الشورى الإسلامي تعتمد على جولة إعادة سيتنافس فيها عدد من المرشحين بعد شهر تقريباً، بسبب عدم حصول المتنافسين في بعض المناطق على النسبة المطلوبة، وهي ربع أصوات الناخبين في مناطقهم.
انعكاس الأمر على السياسة الداخلية سيظهر، وفقاً لمراقبين، من خلال تعامل أكثر مرونة مع حكومة الرئيس حسن روحاني وخططها المستقبلية من دون توقّع أن يغيب المنتقدون من المحافظين عن قاعة البرلمان بشكل كامل. ومن هؤلاء مَن استطاع حجز مقعده في البرلمان الجديد. ولا يمكن استبعاد تشكيل جبهة جديدة داخل التيار المحافظ الذي يضم "معتدلين" أيضاً، لتصبح منتقدة لحكومة روحاني، على غرار ما حدث مع الرئيس نجاد سابقاً.
أما حيال الاتفاق النووي، وهو الملف الأهم والذي يعني طهران داخلياً وخارجياً، فقد كان هناك شبه إجماع داخلي بين المسؤولين في مراكز صنع القرار العليا على تمريره. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجّهها متشددون من داخل البرلمان لبعض بنوده، لكن التصويت عليه جرى من دون عثرات كبرى، كونه يصب لصالح الكل في النهاية. وقد تواجه حكومة روحاني مطبّات بسيطة مع البرلمان الجديد الذي سيبقى المحافظون جزءاً لا يتجزأ منه مهما قلّت حصصهم. هذا في حال فتح الغرب ملفات أخرى، مثل تفتيش المواقع العسكرية، أو في حال فرض عقوبات جديدة على إيران، وهو ما قد يعكّر الأجواء مستقبلاً على "المعتدلين" والإصلاحيين.
اقرأ أيضاً الانتخابات الإيرانية اليوم: "المعيشة" في مواجهة "الأمل"