"الإشاعة"..فوضى الأخبار ترهق الجزائريين

04 مارس 2017
تؤثر الإشاعات على المواطن الجزائري (Getty/فرانس برس)
+ الخط -
يعيش المواطن الجزائري حالة من الإحباط النفسي والاجتماعي، والسبب هو "الإشاعة"، هكذا وصف عمار مدور الموظف في مركز البريد المركزي بالعاصمة الجزائرية حالته الصحية بسبب "أخبار كاذبة " روجت خلال فترة سابقة وتسببت له في مرض السكري.

وقال لـ "العربي الجديد"، أصبت بالمرض المزمن، بسبب إشاعة قيام وكالة تطوير السكن بالإيجار (عدل) برفع فاتورة الجزء الثاني من قيمة السعر الذي أدفعه من أجل الحصول على سكن بالإيجار، وكل ما راج من أخبار سيئة مرتبطة بالسكن الذي أحلم بالحصول عليه منذ أزيد من 15 سنة".

هذه الإشاعة بحسب عمار، مررت عبر شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، وأصبحت على كل لسان، "مما خلق هلعا وسط الطبقة المتوسطة في الجزائر، وخصوصا لدى الموظفين ومحدودي الدخل الذين كافحوا واقتصدوا واستدانوا من أجل تسديد الأقساط الأولى لسكنات عدل" على حد تعبيره.

وتقوم الإشاعات بمفعولها السحري في أوساط الجزائريين، إن تعلقت بالشأن العام وباهتمامات المواطن البسيط، وغالبا ما تؤتي أكلها إن تعلقت بجيبه.

وأكدت مليكة طواهري وهي أم لأربعة أطفال لـ "العربي الجديد"، أنّ "الإشاعة تصبح مخيفة ومريبة عندما تتعلق بالحالة الاقتصادية للأسرة الجزائرية مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية أو ندرة الحليب"، مضيفة بأن هناك إشاعات سببت بلبلة في أوساط الأسر الجزائرية وقهرتها، ومن بينها "قيام مجموعات باختطاف الأطفال للاتجار بأعضائهم في عدة مناطق بالجزائر، وهي الإشاعة التي انتشرت في فيسبوك لتتحول إلى معضلة كبرى ضاعفت القلق في الوسط الأسري خصوصا".


من جانبه، أوضح إسماعيل دبلي، أستاذ علوم الإعلام بأن الإشاعة انتشرت مع كثرة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة فيسبوك، وهي وسائط تكنولوجية لا يمكن تحديدها ولا مراقبتها، ومتابعة ما ينشر فيها.

وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن الإشاعة تتغذى من ممارسات يومية وتحدث خللا في المجتمع، فالمستخدم لوسائل الإعلام الجديدة لا يملك مصدر المعلومة الدقيق من بنك المعلومات في وسائل الإعلام الجزائرية، وعدم وجوده يجعل المتلقي أو الجمهور أو رواد مواقع التواصل الاجتماعي "يتخبطون في الإشاعة"، مضيفا أن هناك "معلومات كيدية تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يكون لها مفعول تدفقي معين دون مراعاة القيم المجتمعية".

وبخصوص هذه القيم التي لا تراعيها الإشاعة، قال المتحدث إننا أمام قاعدة "أنشر ما تريد وكيفما تريد وبأي طريقة تريد وبدون معايير"، لافتا إلى موضوع إشاعة البكالوريا صيف 2016 والتسريبات التي شهدتها الامتحانات خلال تلك الفترة، وانتشرت خلالها بعض نماذج الأسئلة في بعض التخصصات والمواد، وهي الإشاعة التي كان لها أثر سيئ على نفسية الطلاب والممتحنين، وأعقبتها تبعات خطيرة أوصلت بعض المسؤولين إلى السجن، وكان العامل الأساسي هو "فيسبوك"، مما دفع بوزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط إلى توجيه بيان خاص للتلاميذ بألا يتم تصديق ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

وفي سياق ذي صلة أقر الإعلامي عبد الحميد نواري لـ"العربي الجديد"، بأن الإشاعة هي تحصيل حاصل للتضليل، إذ ساهمت التكنولوجيات الحديثة وتطبيقاتها عبر مختلف الوسائط في تفكيك منظومة الإعلام التقليدي والتلفزيون، ودفعت بنشر معلومات كثيرة ما تتسبب في بلبلة وسط المجتمع، وخصوصا عندما تتعلق بانشغالات المواطن ومثال على ذلك: "معلومة تتعلق بمحاسبة المستفيدين من قروض تشغيل الشباب واسترجاع السلطات المعنية الأموال من الشباب بعد مضي فترة من الزمن على استثمار تلك الأموال"، وهي الإشاعة التي خلقت فوضى كبيرة وهلعا وسط المستفيدين، مما دفع بوزير العمل والتشغيل الاجتماعي إلى التدخل، وتقديم مبررات وتصريحات مضادة على إشاعة عارية من الصحة لتظهر بعدها إشاعة مسح ديون الشباب المستفيد من قروض ضخمة من البنوك الحكومية، وهي الإشاعة التي دفعت إلى مراجعة بعض القوانين فيما يتعلق بالقضية التي أسالت الكثير من الحبر على مستوى صفحات الجرائد الوطنية.

ويعتبر المتتبعون للشأن الإعلامي أن أقوى الإشاعات التي انتشرت بشكل سريع هي مرض ووفاة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وهي الإشاعة التي تتغذى من بعض الممارسات السياسية في الدولة الهدف منها التأثير على الرأي العام في الجزائر، بحسبهم، إلا أنها كانت في كل مرة "تجانب الحقيقة" بحسب الإعلامي نواري الذي اعتبر بأن أكثر الإشاعات التي  تنتشر بسرعة البرق هي المتعلقة بشخصية سياسية بحجم رئيس الجمهورية، في انتظار نفيها أو تأكيدها.