08 نوفمبر 2024
"الإخوان المسلمون" والتعامل مع الأزمات السياسية
ترتبط الأزمة الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين في مصر بمتغيرات داخلية وخارجية عديدة، وعلى الرغم من أهمية كل منها، فإن تناول الأبعاد الداخلية يساعد في تفسير الأزمات الراهنة، كما أنه أكثر تعبيرا واقتراباً من العناصر المرتبطة مباشرة باتخاذ القرار، وتتناول سطور هذه المعالجة القرارات الاستراتيجية التي اتخذتها الجماعة منذ يناير/كانون الثاني 2011، من وجهة آليات صنع القرار داخل الجماعة، والأسباب التي دفعت إلى اتخاذها. وهنا تناول الجماعة أهم ثلاثة قرارات في تلك الفترة.
الترشح للرئاسة
كشفت بيانات "الإخوان المسلمين" أن دوافع التقدم بمرشح للانتخابات الرئاسية ترجع إلى مجموعتين من العوامل. الأولى، من ناحية السعي إلى الارتقاء بحقوق الشعب وحماية الثورة. وقد أشارت، هنا، إلى نقطة مهمة، هي أن عدم تعاون حكومة كمال الجنزوري مع مجلس الشعب يضعفه سلطة تشريعية ورقابية، ما تترتب عليه المطالبة بوضع السلطة التنفيذية تحت الرقابة البرلمانية، لكن تعدد الأزمات السياسية أدى إلى انقطاع التعاون بين سلطات الدولة.
أما المجموعة الثانية من العوامل التي دفعت إلى تغيير الموقف، فتتعلق بالاقتراب الإيجابي من المواقف الغربية، حيث ترتب على الزيارات التي قام بها سفراء آسيا وأوروبا وأميركا وبعض وزراء خارجية دول أخرى مقر جماعة الإخوان، وجود حالة من التفاهم المشترك بشأن دور "الإخوان" في السياسة المصرية، ووجود قبول لتعاون في حال وصولهم إلى السلطة. وتثير هذه الجزئية الجدل بشأن تقييم "الإخوان" السياسات الغربية نحو الشرق الأوسط والحركات الإسلامية، والارتكان على مواقف سفراء أجانب لاتخاذ قرارات استراتيجية.
إجرائياً، يمكن القول إن القرار تمت مناقشته على مرحلتين، فقد طرح للمرة الأولى على الهيئة العليا لحزب لحرية والعدالة في 16 مارس/آذار 2012، في إطار اختيار المرشح الذي تدعمه الجماعة، وجاءت نتيجة التصويت برفض 57 عضواً وموافقة 13، واعتبرت هذه النتيجة استطلاعية، حيث إن مجلس الشورى هو الجهة المعنية بالتداول على القرار، على الرغم من أن غالبية أعضاء الهيئة العليا أعضاء في "الشورى"، وأنه كان من المفترض اتخاذ خطوات باتجاه تطوير دور حزب الحرية والعدالة في اتخاذ القرارات. ولكن، كان لافتاً أن بيانات وتصريحات إعلامية لاحقة لم تأت على ذكر للهيئة العليا أو الحزب، وذلك حتى إعلان القرار بشكل نهائي.
وبالنظر إلى قرار دخول انتخابات الرئاسة، طرح رسمياً للتداول في مجلس الشورى في 16 مارس/آذار 2012 بعد فتح باب الترشيح للانتخابات، ويبدو أن طرحه جاء مفاجئاً، ما يثير جدلاً كثيراً بشأن طريقة صنع القرارات الاستراتيجية، فيكمن عنصر المفاجأة ليس فقط في تغير موقف "الإخوان" تجاه هذه المسألة المهمة، ولكن، في عدم طرح مناقشات من هذا النوع، ولو باعتباره بديلا لغياب مرشح يحظى بتأييد الجماعة.
وانتهت مداولات "الشورى" بعد ثلاث جلسات، غير مخططة، إلى إعلان قرار بتقديم مرشح عن "الإخوان" لانتخابات الرئاسية، وهي مداولات اتسمت بالخصائص التالية:
• بدأت الاجتماعات من دون بيان يوضح الهدف من الاجتماع، أو جدول أعماله، أو عقد مشاورات داخلية بشأن طرح خيار الترشيح، وثمة احتمالات أنه لم يوزع جدول الاجتماع على كل أعضاء مجلس الشورى قبل انعقاد المجلس، وهي احتمالات تظل صحيحة، حتى نشر مداولات المجلس.
• ظلت المداولات مغلقة، ولم يسمح بإعلان بعض مما يدور داخل الاجتماع، سواء لوسائل الإعلام، أو خارج نطاق أعضاء "الشورى"، وخصوصاً من المستويات القيادية. ومن اللافت أنه لم تنشر تلك المداولات حتى هذه اللحظة، لكي يتم التعرف إلى أبعاد القرار، والقوى الدافعة إلى اتخاذه، ومن ثم، فإن هيمنة هذا النمط تكرس حالة اللامؤسسية واحتكار المعلومات في دوائر ضيقة، فيما تحتاج الجماعة نوعاً من حرية تداول المعلومات لتوسيع دوائر المشاورات.
• كانت المناقشات مغلقة، فيما إن موضوع التداول يفترض أن يكون علنياً لكي يكتسب الخيار الأفضل شرعيةً وتأييداً داخل الجماعة وخارجها، فقد اعتادت الأحزاب السياسية والشخصيات العامة البدء بالتمهيد لقرار ترشيحها كاستطلاع لرأي المؤيدين والمعارضين، وكانت هناك فرصة أمام "الإخوان" لتقديم نموذج في الانتقال نحو الانفتاح في العمل السياسي واللامركزية.
• صدر إعلان القرار بعد الانتهاء من اجتماع "الشورى" في 31 مارس/آذار، وفي 4 أبريل/نيسان 2012، في بيان يوضح الأسباب التي دفعت "الإخوان" إلى التفكير في تقديم مرشح، لكنه لم يعرض نتيجة التصويت، سواء تم إجراؤها في كل الجلسات أم اقتصرت على الجلسة الأخيرة، وأعلنت النتيجة بموافقة 56 عضواً مقابل رفض 52، وأثار هذا التقارب القلق حول سلامة اتخاذ قرار بهذا الحجم، في ظل انقسام الرأي واختلاف التقييم السياسي. وكان من الأولى، في هذه الحالة، نشر بيان لا يتضمن المناقشات فقط. ولكن، يوضح اتجاهات التصويت الموافقة والمعارضة، فمثل هذه البيانات يمثل الحد الأدنى للشفافية وحرية تداول المعلومات.
وجاء قرار "الإخوان" بالترشيح لانتخابات الرئاسة في سياق وجود ثلاثة مرشحين، ينتمون للتيار الإسلامي، هم عبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا وحازم أبو إسماعيل، وهي مجموعة من المرشحين تتنافس على أصوات قاعدة التيار الإسلامي. وبينما لم تتخذ الجماعة موقفاً محدداً من ترشيح حازم، على الرغم من تزايد مؤيديه، فإنها اتخذت مواقف صارمة تجاه أبو الفتوح. لكن، على أية حال، صار وجود المرشحيْن يشكل تهديداً لتماسك أعضاء الجماعة، ما يفسر جانباً من سعي جماعة الإخوان المسلمين إلى البحث عن مرشح آخر، أو التفكير في تقديم مرشح في اللحظات الأخيرة.
وجاء قرار الترشح أيضاً في سياق مجموعة من الأزمات المحتدمة، هو، سحب الثقة من حكومة الجنزوري، والتهديد بالطعن في صحة تشكيل البرلمان أمام المحكمة الدستورية، وأزمة تشكيل اللجنة التأسيسية، وهي أزمات شكلت مناخاً انقسامياً، فضلاً عن أنها تطيح المؤسسات الانتقالية. ويمكن القول إن أزمات تلك الفترة دارت، أساساً، حول الصراع على تسليم السلطة، لكنها، في الوقت نفسه، أدت إلى إطاحة المؤسسات الانتقالية، لتبدأ الفترة الرئاسية من دون مؤسسات منتخبة.
ولعله من النتائج المهمة أن نتائج الانتخابات رسخت المعادلة الثنائية بين "الإخوان" والدولة، وهي من المراحل المبكرة لإجهاض التحول السياسي، فالعودة السريعة لهذه المعادلة ساهمت في إنعاش فرص النخبة السياسية التقليدية في الاستمرار في السلطة، والمشاركة الواضحة في الحكومات التي تشكلت بعد يوليو/تموز 2012، وهو ما يثير الجدل حول حجج الاستمرار في الانتخابات وعدم الانسحاب من الجولة الثانية، على الرغم من حالة الانقسام الواضحة التي ظلت مستمرة منذ إعلان النتائج النهائية وحتى يونيو/حزيران 2013.
تشكيل الجمعية التأسيسية
لقي تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور للمرة الأولى خلافات حول تفسير المادة 60 من الإعلان الدستوري بشأن "انتخاب" أعضاء الجمعية، فبينما ذهب الإخوان إلى أن الانتخاب يشمل أعضاء مجلسي الشعب والشورى، ذهبت أحزاب أخرى عديدة إلى أنها تنصرف لغير التشريعيين. وشكل هذا الخلاف أساس النزاع القضائي الذي ترتب عليه صدور حكم من القضاء الإداري في 9 إبريل/نيسان 2012 بحل الجمعية، بسبب التداخل مع السلطة التشريعية.
وبعد مشاورات بين المجلس العسكري والأحزاب السياسية في 4 يونيو/حزيران 2012، تم التوافق على الانتهاء من تشكيل الجمعية التأسيسية مرة أخرى بحلول يوم السابع من الشهر نفسه، وهي التي تم تشكيلها وفق القواعد السابقة نفسها مع إجراء تغييرات في نسبة تمثيل الأحزاب، ما جعلها مثاراً للطعن القانوني، بسبب عدم حدوث تغير جوهري في تشكيلها، سوى في اختلاف نسب التمثيل، فيما استمر حق المشرّعين في اكتساب عضوية الجمعية. وهنا، قامت سياسة "الإخوان" على جانبين؛ تحصين الجمعية ضد الحل والدفاع عنها أمام القضاء الإداري.
وبغض النظر عن المشوار القضائي وتعقيداته، يمكن ملاحظة أمرين مهمين. الأول أنه لم تتضح مبررات للإصرار على اختيار نواب مجلس الشعب أعضاء في الجمعية، واستمرار الأشخاص أنفسهم، تقريباً، لدى تشكيل الجمعية مرة أخرى. الأمر الثاني يتمثل في منح فرصة للهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، أو هيئته العليا، لمناقشة اختيارات قائمة المرشحين (100 مرشح) والقائمة الاحتياطية، وتم طرح قائمة سبق إعدادها من دون توضيح معايير اختيار المرشحين، وتكرّرت حالة مماثلة مع التشكيل الثاني للجمعية، فتم تكوين القائمة، بحيث تشمل أعضاء في مكتب الإرشاد وأعضاء في مجلسي الشعب والشورى وأعضاء أخرين. وكان واضحاً أنها تجمع بين المعايير الموضوعية في التمثيل السياسي والتمثيل الشرفي لأفراد وكيانات ثورية، ولم يمنع صدور الدستور من استمرار الأزمة السياسية، بل زادت تفاقماً، وخرجت في بعض مراحلها عن سيطرة الدولة.
إعلان 21 نوفمبر
صدر "إعلان 21 نوفمبر" في سياق الأزمات السياسية المتعلقة بتعثر المسار القانوني للجمعية التأسيسية، وبدء المحكمة الدستورية في نظر دعوى حل مجلس الشورى، وتباطؤ محاكمة النظام السابق. وتضمن الإعلان بنداً يتعلق بإقالة النائب العام وزيادة الصلاحيات الدستورية والقضائية لرئيس الجمهورية، ما شكل نقطة تحول في مواقف الأطراف السياسية. فمن جهةٍ، زادت الأزمة بين السلطتين؛ التنفيذية والقضائية، كما تدافعت الأحزاب الليبرالية واليسارية لتشكيل "جبهة الإنقاذ الوطني"، لتكون واحدة من أضلاع الأزمة السياسية.
ومع اتساع نطاق الاحتجاج ضد إعلان نوفمبر، خصوصاً مع تزايد احتجاج الجمعيات العمومية للمحاكم، صدر قرار جمهوري بتعديل الإعلان، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2012، لكنه على الرغم من تخفيض سلطات الرئيس، تفاقمت حالة الانقسام السياسي، خصوصاً مع إعلان الجمعية التأسيسية الانتهاء من مشروع الدستور، وطرحه للاستفتاء في 15 ديسمبر.
كان من اللافت أن الإعلان الرئاسي استمر فترة قصيرة للغاية، وانتهى وجوده القانوني بصدور الدستور الجديد. وهنا تكمن المسألة التي يثيرها صدور إعلان نوفمبر، خصوصاً ما يتعلق بتقدير الموقف لدى صدوره، وتحديد الأسباب التي منعت استمراره، أو منع تحقيق أهدافه الأساسية، وهو ما يتطلب مراجعة طبيعة صدوره، والاقتراب من الأهداف التي صدر من أجلها. فمن ناحية أولية، ما يزال هناك جدل حول الجهة التي اقترحت صدور إعلان دستوري بهذه الصيغة، وتنحصر الجهات، هنا، في المستشار القانوني للرئيس (محمد مرسي) ومكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين. ولكن، بشكل عام، تشير التصرفات اللاحقة إلى وجود دور للإخوان في صدور الإعلان.
لعل نقطة الضعف التي واجهت "إعلان نوفمبر" تتمثل في عدم اطلاع مستشاري الرئيس على هذه الخطوة، ومطالبتهم بالدفاع عنه، وهو ما يعتبر نقصاً في دورة صنع القرار، خصوصاً في فترة تتسم بالطابع الانتقالي، حيث كان من الأولى تعزيز تماسك مؤسسة الرئاسة، وحشدها خلف الإعلان، حتى لا ينفرط عقد مجموعة المستشارين بالاستقالة. وقد أدت هذه الممارسات إلى إضعاف سلطات الرئيس، على خلاف الهدف من إصدار إعلان نوفمبر، كما زادت الانقسامات السياسية واندلاع أحداث الاتحادية، بحيث ظهرت مطالب بتعديل الدستور وإجراء تغييرات واسعة على الحكومة.
لعل العامل المشترك في هذه القرارات أنها صدرت تحت ضغط عامل الزمن، ولم تسبقها تحضيرات كافية، للوصول إلى قرار استراتيجي، حظي بالدراسة والتفكير، فعلى الرغم من أهمية تلك القرارات، تم التعامل معها، كما لو كانت قرارات مرحلية قصيرة المدى، حيث ظهرت من دون توضيح مبرراتها والمعايير التي استندت إليها. ويظهر هذا بوضوح في الإصرار على حق أعضاء البرلمان في دخول "التأسيسية"، وجعلها نقطة خلاف مركزية مع الأحزاب السياسية، وهي بذاتها كانت ثغرة قانونية أطاحت الجمعية، وزادت الخلاف حول مشروع الدستور.
ويعكس بيان "شورى الإخوان" في 22 يونيو/حزيران 2013 وجود فجوة في النظر للتطورات السياسية، حيث رأى أن التحضيرات لمظاهرات 30 يونيو مجرد احتجاجات معتادة، يمكن احتواؤها بالحوار السياسي، ولم يدرك الأبعاد الحقيقية للأزمة، خصوصاً بعد تفاقم الخلافات مع الأحزاب والقضاء ونشر الجيش، ما يعكس حالة فصام مع الواقع، يمكن مقاربتها مع تناول الأزمة الداخلية الراهنة، والتي تشكل معضلة بسبب انحسار الخلاف في النواحي الإدارية، فيما كانت التحديات أكثر عمقاً.
وعلى الرغم من الفرصة التي وفرتها السنوات الماضية لإجراء تقييمات واسعة لتطوير المؤسسة، وتحديث مناخ صنع القرار، فإن الممارسات كشفت عن عدم طرح رؤية استراتيجية، أو ورقة سياسات للتعامل مع القضايا السياسية. ويبدو أنها مستمرة في الوقت الراهن، ما يزيد توقعات عدم الكفاءة في ابتكار حلول للأزمات المتنوعة التي تتكاثر بمرور الوقت، ما يزيد فرص ترسيخ الأداء الضعيف.
الترشح للرئاسة
كشفت بيانات "الإخوان المسلمين" أن دوافع التقدم بمرشح للانتخابات الرئاسية ترجع إلى مجموعتين من العوامل. الأولى، من ناحية السعي إلى الارتقاء بحقوق الشعب وحماية الثورة. وقد أشارت، هنا، إلى نقطة مهمة، هي أن عدم تعاون حكومة كمال الجنزوري مع مجلس الشعب يضعفه سلطة تشريعية ورقابية، ما تترتب عليه المطالبة بوضع السلطة التنفيذية تحت الرقابة البرلمانية، لكن تعدد الأزمات السياسية أدى إلى انقطاع التعاون بين سلطات الدولة.
أما المجموعة الثانية من العوامل التي دفعت إلى تغيير الموقف، فتتعلق بالاقتراب الإيجابي من المواقف الغربية، حيث ترتب على الزيارات التي قام بها سفراء آسيا وأوروبا وأميركا وبعض وزراء خارجية دول أخرى مقر جماعة الإخوان، وجود حالة من التفاهم المشترك بشأن دور "الإخوان" في السياسة المصرية، ووجود قبول لتعاون في حال وصولهم إلى السلطة. وتثير هذه الجزئية الجدل بشأن تقييم "الإخوان" السياسات الغربية نحو الشرق الأوسط والحركات الإسلامية، والارتكان على مواقف سفراء أجانب لاتخاذ قرارات استراتيجية.
إجرائياً، يمكن القول إن القرار تمت مناقشته على مرحلتين، فقد طرح للمرة الأولى على الهيئة العليا لحزب لحرية والعدالة في 16 مارس/آذار 2012، في إطار اختيار المرشح الذي تدعمه الجماعة، وجاءت نتيجة التصويت برفض 57 عضواً وموافقة 13، واعتبرت هذه النتيجة استطلاعية، حيث إن مجلس الشورى هو الجهة المعنية بالتداول على القرار، على الرغم من أن غالبية أعضاء الهيئة العليا أعضاء في "الشورى"، وأنه كان من المفترض اتخاذ خطوات باتجاه تطوير دور حزب الحرية والعدالة في اتخاذ القرارات. ولكن، كان لافتاً أن بيانات وتصريحات إعلامية لاحقة لم تأت على ذكر للهيئة العليا أو الحزب، وذلك حتى إعلان القرار بشكل نهائي.
وبالنظر إلى قرار دخول انتخابات الرئاسة، طرح رسمياً للتداول في مجلس الشورى في 16 مارس/آذار 2012 بعد فتح باب الترشيح للانتخابات، ويبدو أن طرحه جاء مفاجئاً، ما يثير جدلاً كثيراً بشأن طريقة صنع القرارات الاستراتيجية، فيكمن عنصر المفاجأة ليس فقط في تغير موقف "الإخوان" تجاه هذه المسألة المهمة، ولكن، في عدم طرح مناقشات من هذا النوع، ولو باعتباره بديلا لغياب مرشح يحظى بتأييد الجماعة.
وانتهت مداولات "الشورى" بعد ثلاث جلسات، غير مخططة، إلى إعلان قرار بتقديم مرشح عن "الإخوان" لانتخابات الرئاسية، وهي مداولات اتسمت بالخصائص التالية:
• بدأت الاجتماعات من دون بيان يوضح الهدف من الاجتماع، أو جدول أعماله، أو عقد مشاورات داخلية بشأن طرح خيار الترشيح، وثمة احتمالات أنه لم يوزع جدول الاجتماع على كل أعضاء مجلس الشورى قبل انعقاد المجلس، وهي احتمالات تظل صحيحة، حتى نشر مداولات المجلس.
• ظلت المداولات مغلقة، ولم يسمح بإعلان بعض مما يدور داخل الاجتماع، سواء لوسائل الإعلام، أو خارج نطاق أعضاء "الشورى"، وخصوصاً من المستويات القيادية. ومن اللافت أنه لم تنشر تلك المداولات حتى هذه اللحظة، لكي يتم التعرف إلى أبعاد القرار، والقوى الدافعة إلى اتخاذه، ومن ثم، فإن هيمنة هذا النمط تكرس حالة اللامؤسسية واحتكار المعلومات في دوائر ضيقة، فيما تحتاج الجماعة نوعاً من حرية تداول المعلومات لتوسيع دوائر المشاورات.
• كانت المناقشات مغلقة، فيما إن موضوع التداول يفترض أن يكون علنياً لكي يكتسب الخيار الأفضل شرعيةً وتأييداً داخل الجماعة وخارجها، فقد اعتادت الأحزاب السياسية والشخصيات العامة البدء بالتمهيد لقرار ترشيحها كاستطلاع لرأي المؤيدين والمعارضين، وكانت هناك فرصة أمام "الإخوان" لتقديم نموذج في الانتقال نحو الانفتاح في العمل السياسي واللامركزية.
• صدر إعلان القرار بعد الانتهاء من اجتماع "الشورى" في 31 مارس/آذار، وفي 4 أبريل/نيسان 2012، في بيان يوضح الأسباب التي دفعت "الإخوان" إلى التفكير في تقديم مرشح، لكنه لم يعرض نتيجة التصويت، سواء تم إجراؤها في كل الجلسات أم اقتصرت على الجلسة الأخيرة، وأعلنت النتيجة بموافقة 56 عضواً مقابل رفض 52، وأثار هذا التقارب القلق حول سلامة اتخاذ قرار بهذا الحجم، في ظل انقسام الرأي واختلاف التقييم السياسي. وكان من الأولى، في هذه الحالة، نشر بيان لا يتضمن المناقشات فقط. ولكن، يوضح اتجاهات التصويت الموافقة والمعارضة، فمثل هذه البيانات يمثل الحد الأدنى للشفافية وحرية تداول المعلومات.
وجاء قرار "الإخوان" بالترشيح لانتخابات الرئاسة في سياق وجود ثلاثة مرشحين، ينتمون للتيار الإسلامي، هم عبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا وحازم أبو إسماعيل، وهي مجموعة من المرشحين تتنافس على أصوات قاعدة التيار الإسلامي. وبينما لم تتخذ الجماعة موقفاً محدداً من ترشيح حازم، على الرغم من تزايد مؤيديه، فإنها اتخذت مواقف صارمة تجاه أبو الفتوح. لكن، على أية حال، صار وجود المرشحيْن يشكل تهديداً لتماسك أعضاء الجماعة، ما يفسر جانباً من سعي جماعة الإخوان المسلمين إلى البحث عن مرشح آخر، أو التفكير في تقديم مرشح في اللحظات الأخيرة.
وجاء قرار الترشح أيضاً في سياق مجموعة من الأزمات المحتدمة، هو، سحب الثقة من حكومة الجنزوري، والتهديد بالطعن في صحة تشكيل البرلمان أمام المحكمة الدستورية، وأزمة تشكيل اللجنة التأسيسية، وهي أزمات شكلت مناخاً انقسامياً، فضلاً عن أنها تطيح المؤسسات الانتقالية. ويمكن القول إن أزمات تلك الفترة دارت، أساساً، حول الصراع على تسليم السلطة، لكنها، في الوقت نفسه، أدت إلى إطاحة المؤسسات الانتقالية، لتبدأ الفترة الرئاسية من دون مؤسسات منتخبة.
ولعله من النتائج المهمة أن نتائج الانتخابات رسخت المعادلة الثنائية بين "الإخوان" والدولة، وهي من المراحل المبكرة لإجهاض التحول السياسي، فالعودة السريعة لهذه المعادلة ساهمت في إنعاش فرص النخبة السياسية التقليدية في الاستمرار في السلطة، والمشاركة الواضحة في الحكومات التي تشكلت بعد يوليو/تموز 2012، وهو ما يثير الجدل حول حجج الاستمرار في الانتخابات وعدم الانسحاب من الجولة الثانية، على الرغم من حالة الانقسام الواضحة التي ظلت مستمرة منذ إعلان النتائج النهائية وحتى يونيو/حزيران 2013.
تشكيل الجمعية التأسيسية
لقي تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور للمرة الأولى خلافات حول تفسير المادة 60 من الإعلان الدستوري بشأن "انتخاب" أعضاء الجمعية، فبينما ذهب الإخوان إلى أن الانتخاب يشمل أعضاء مجلسي الشعب والشورى، ذهبت أحزاب أخرى عديدة إلى أنها تنصرف لغير التشريعيين. وشكل هذا الخلاف أساس النزاع القضائي الذي ترتب عليه صدور حكم من القضاء الإداري في 9 إبريل/نيسان 2012 بحل الجمعية، بسبب التداخل مع السلطة التشريعية.
وبعد مشاورات بين المجلس العسكري والأحزاب السياسية في 4 يونيو/حزيران 2012، تم التوافق على الانتهاء من تشكيل الجمعية التأسيسية مرة أخرى بحلول يوم السابع من الشهر نفسه، وهي التي تم تشكيلها وفق القواعد السابقة نفسها مع إجراء تغييرات في نسبة تمثيل الأحزاب، ما جعلها مثاراً للطعن القانوني، بسبب عدم حدوث تغير جوهري في تشكيلها، سوى في اختلاف نسب التمثيل، فيما استمر حق المشرّعين في اكتساب عضوية الجمعية. وهنا، قامت سياسة "الإخوان" على جانبين؛ تحصين الجمعية ضد الحل والدفاع عنها أمام القضاء الإداري.
وبغض النظر عن المشوار القضائي وتعقيداته، يمكن ملاحظة أمرين مهمين. الأول أنه لم تتضح مبررات للإصرار على اختيار نواب مجلس الشعب أعضاء في الجمعية، واستمرار الأشخاص أنفسهم، تقريباً، لدى تشكيل الجمعية مرة أخرى. الأمر الثاني يتمثل في منح فرصة للهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، أو هيئته العليا، لمناقشة اختيارات قائمة المرشحين (100 مرشح) والقائمة الاحتياطية، وتم طرح قائمة سبق إعدادها من دون توضيح معايير اختيار المرشحين، وتكرّرت حالة مماثلة مع التشكيل الثاني للجمعية، فتم تكوين القائمة، بحيث تشمل أعضاء في مكتب الإرشاد وأعضاء في مجلسي الشعب والشورى وأعضاء أخرين. وكان واضحاً أنها تجمع بين المعايير الموضوعية في التمثيل السياسي والتمثيل الشرفي لأفراد وكيانات ثورية، ولم يمنع صدور الدستور من استمرار الأزمة السياسية، بل زادت تفاقماً، وخرجت في بعض مراحلها عن سيطرة الدولة.
إعلان 21 نوفمبر
صدر "إعلان 21 نوفمبر" في سياق الأزمات السياسية المتعلقة بتعثر المسار القانوني للجمعية التأسيسية، وبدء المحكمة الدستورية في نظر دعوى حل مجلس الشورى، وتباطؤ محاكمة النظام السابق. وتضمن الإعلان بنداً يتعلق بإقالة النائب العام وزيادة الصلاحيات الدستورية والقضائية لرئيس الجمهورية، ما شكل نقطة تحول في مواقف الأطراف السياسية. فمن جهةٍ، زادت الأزمة بين السلطتين؛ التنفيذية والقضائية، كما تدافعت الأحزاب الليبرالية واليسارية لتشكيل "جبهة الإنقاذ الوطني"، لتكون واحدة من أضلاع الأزمة السياسية.
ومع اتساع نطاق الاحتجاج ضد إعلان نوفمبر، خصوصاً مع تزايد احتجاج الجمعيات العمومية للمحاكم، صدر قرار جمهوري بتعديل الإعلان، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2012، لكنه على الرغم من تخفيض سلطات الرئيس، تفاقمت حالة الانقسام السياسي، خصوصاً مع إعلان الجمعية التأسيسية الانتهاء من مشروع الدستور، وطرحه للاستفتاء في 15 ديسمبر.
كان من اللافت أن الإعلان الرئاسي استمر فترة قصيرة للغاية، وانتهى وجوده القانوني بصدور الدستور الجديد. وهنا تكمن المسألة التي يثيرها صدور إعلان نوفمبر، خصوصاً ما يتعلق بتقدير الموقف لدى صدوره، وتحديد الأسباب التي منعت استمراره، أو منع تحقيق أهدافه الأساسية، وهو ما يتطلب مراجعة طبيعة صدوره، والاقتراب من الأهداف التي صدر من أجلها. فمن ناحية أولية، ما يزال هناك جدل حول الجهة التي اقترحت صدور إعلان دستوري بهذه الصيغة، وتنحصر الجهات، هنا، في المستشار القانوني للرئيس (محمد مرسي) ومكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين. ولكن، بشكل عام، تشير التصرفات اللاحقة إلى وجود دور للإخوان في صدور الإعلان.
لعل نقطة الضعف التي واجهت "إعلان نوفمبر" تتمثل في عدم اطلاع مستشاري الرئيس على هذه الخطوة، ومطالبتهم بالدفاع عنه، وهو ما يعتبر نقصاً في دورة صنع القرار، خصوصاً في فترة تتسم بالطابع الانتقالي، حيث كان من الأولى تعزيز تماسك مؤسسة الرئاسة، وحشدها خلف الإعلان، حتى لا ينفرط عقد مجموعة المستشارين بالاستقالة. وقد أدت هذه الممارسات إلى إضعاف سلطات الرئيس، على خلاف الهدف من إصدار إعلان نوفمبر، كما زادت الانقسامات السياسية واندلاع أحداث الاتحادية، بحيث ظهرت مطالب بتعديل الدستور وإجراء تغييرات واسعة على الحكومة.
لعل العامل المشترك في هذه القرارات أنها صدرت تحت ضغط عامل الزمن، ولم تسبقها تحضيرات كافية، للوصول إلى قرار استراتيجي، حظي بالدراسة والتفكير، فعلى الرغم من أهمية تلك القرارات، تم التعامل معها، كما لو كانت قرارات مرحلية قصيرة المدى، حيث ظهرت من دون توضيح مبرراتها والمعايير التي استندت إليها. ويظهر هذا بوضوح في الإصرار على حق أعضاء البرلمان في دخول "التأسيسية"، وجعلها نقطة خلاف مركزية مع الأحزاب السياسية، وهي بذاتها كانت ثغرة قانونية أطاحت الجمعية، وزادت الخلاف حول مشروع الدستور.
ويعكس بيان "شورى الإخوان" في 22 يونيو/حزيران 2013 وجود فجوة في النظر للتطورات السياسية، حيث رأى أن التحضيرات لمظاهرات 30 يونيو مجرد احتجاجات معتادة، يمكن احتواؤها بالحوار السياسي، ولم يدرك الأبعاد الحقيقية للأزمة، خصوصاً بعد تفاقم الخلافات مع الأحزاب والقضاء ونشر الجيش، ما يعكس حالة فصام مع الواقع، يمكن مقاربتها مع تناول الأزمة الداخلية الراهنة، والتي تشكل معضلة بسبب انحسار الخلاف في النواحي الإدارية، فيما كانت التحديات أكثر عمقاً.
وعلى الرغم من الفرصة التي وفرتها السنوات الماضية لإجراء تقييمات واسعة لتطوير المؤسسة، وتحديث مناخ صنع القرار، فإن الممارسات كشفت عن عدم طرح رؤية استراتيجية، أو ورقة سياسات للتعامل مع القضايا السياسية. ويبدو أنها مستمرة في الوقت الراهن، ما يزيد توقعات عدم الكفاءة في ابتكار حلول للأزمات المتنوعة التي تتكاثر بمرور الوقت، ما يزيد فرص ترسيخ الأداء الضعيف.