"الأطلسي الجديد"... تحدّي الدور الدولي

05 سبتمبر 2014
فوغ راسموسن ووزير الخارجية البرتغالي خلال قمة لشبونة2010(getty)
+ الخط -
قامت استراتيجية حلف شمال الأطلسي التي أقرتها قمة الحلف في لشبونة عام 2010، على منطق الحروب الاستباقية، وتحويلها إلى نهج غربي مقنّن في وثيقة "أطلسية" تستهدف ضمان أمن الطاقة ومصادرها في العالم، من دون الالتفات إلى ما يمكن أن يُنتجه ذلك، من استقطابات حادة على المستوى الدولي، وسباق تسلح جديد. نهج سعى إلى ترجمة مفاهيم الإرهاب والدول المارقة، ومخاطر الهجمات غير التقليدية، التي رسّخها الغرب لتبرير مواجهات انغمس فيها طوال العقدين الماضيين.

راعى قادة الحلف في لشبونة الثابت والمتحول على المستوى الدولي، لذلك خرجوا برؤية تتحسّب لاحتمال استهداف القارة الأوروبية بصواريخ غير تقليدية، وتعرضها لاعتداءات إرهابية أو هجمات إلكترونية. ومن أبرز ما في مشروع الاستراتيجية، إمكان خوض عمليات حرب استباقية في أيّ بقعة من العالم، ومواجهة الهجمات الإلكترونية التي قد تستهدف الدول الأعضاء، وتوفير مزيد من الحماية لأوروبا عبر منظومة الدفاع الصاروخي؛ فالحلف، الذي شارك فعلياً في غزو واحتلال دولة خارج أوروبا، أي أفغانستان، بحث في لشبونة تكريس دور الشرطي العالمي في استراتيجيته الجديدة، وهو تبدّل في عقيدته العسكرية عبر تبنّي خيار الحرب الاستباقية، ما حوّل الحلف إلى ظهير عسكري استراتيجي لواشنطن.

ودرج حلف الأطلسي على وضع استراتيجية عشرية، تكون بمثابة عقيدة وخريطة طريق يسير عليها. وكانت قمته التي عُقدت في واشنطن في سنة 1999، في مناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسه، قد صاغت ما يعرف بـ"استراتيجية المراجعة" التي استمر العمل بها حتى قمة لشبونة. وركزت استراتيجية العقد الماضي على مسألة بناء شراكة دفاعية بين الأطلسي وأوروبا، وخلق هوية دفاعية جديدة للحلف، بالاستفادة من دروس التدخل العسكري في حرب البلقان، وضمن رؤية أن أمن أوروبا والولايات المتحدة كلّ لا يتجزأ، ومد نشاط الحلف على كامل القارة الأوروبية بهدف تطويق روسيا واحتواء المخاطر المترتبة على عودتها المتنامية إلى المسرح الدولي.

إلا أنّ جهود الحلف الفعلية بعد هجمات 11سبتمبر/ أيلول انصبّت على الحرب في أفغانستان، التي مثلت مسألة مفصلية ضمن سياق رؤية الأطلسي لدوره الجديد بعد الحرب الباردة. تلك الرؤية ظلت ترنو بعيداً نحو العالم الإسلامي، بوصفه خزّان التطرف الديني ومصدر التهديد المستقبلي للغرب، إضافةً إلى كونه يمثل أعلى نسبة من احتياطي مصادر الطاقة. أما الاستراتيجية الجديدة، التي اعتمدها الحلف في قمة لشبونة في 11 صفحة ورسمتها لجنة من 12 خبيراً برئاسة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، فجاءت تحت عنوان "تطوير استراتيجية جديدة، التحالف من أجل العقد المقبل".

تمحورت الاستراتيجية حول جملة من الأهداف تأخذ في عين الاعتبار تحديث القدرات الدفاعية والردعية لقوات الأطلسي، عن طريق إنشاء ما يسمى الدرع الصاروخية، وابتكار تكنولوجيا دفاعية تتصدى لأي هجمات إلكترونية ممكنة عبر الإنترنت، ثم تحديث إدارة الأزمات بحيث تصبح هناك إدارة شاملة، تتضمن جميع العناصر السياسية والمدنية والعسكرية، لتعمل جنباً إلى جنب، وبطريقة تكاملية، نحو هدف واحد. وركزت الاستراتيجية على نقل الحلف من دوره الدفاعي، الذي حدده لنفسه في بيان تأسيسه، وخلال فترة الحرب الباردة على وجه التحديد، إلى مرحلة هجومية خارج حدوده التقليدية.

وإن كانت حرب أفغانستان قد مثّلت الاستثناء في الفترة السابقة، فإن العقيدة الجديدة وضعت القواعد لعمل الأطلسي خارج حدوده التقليدية، على نحو يتجاوز دوره المرسوم في ميثاقه لجهة الدفاع عن أوروبا داخل نطاقها الجغرافي، وهذا هو المطروح اليوم على جدول الأعمال. وضعت الاستراتيجية العشرية الحالية ( 2010-2020) مهمّات الحلف وأهدافه في إطار "التلاؤم مع التهديدات الجديدة، التي عرّفتها بـ"الإرهاب والمنافسة على مصادر الطاقة وطرق إمدادها، والحرب المعلوماتية، والقرصنة البحرية، والجريمة المنظمة".

تعتمد الاستراتيجية بصورة رئيسة على "تعزيز الشراكات بين الدول الأعضاء من جهة، وبينها من جهة ثانية وبين الأمم المتحدة والتجمعات الأخرى، الدولية والإقليمية، والهيئات العسكرية والمدنية"، وذلك لتأهيل الأطلسي ليصبح القوة الكونية الأولى، ليس على الصعيد العسكري والأمني فحسب، بل السياسي أيضاً. والملاحظ هنا أنّ اتجاه الحلف إلى تغيير عقيدته التقليدية، جاء بضغط أساسي من طرف الولايات المتحدة، التي عملت جاهدة على جعل توسيع نطاق عمل ومهمات الحلف خارج حدود أوروبا أمراً واقعاً، ويترتب على ذلك توسيع حقول تدخلاته العسكرية في المقام الأول، ونشر قواه العسكرية على امتداد الكوكب، ومد مجالات عمله في اتجاه قضايا جديدة، كالطاقة والبيئة والهجرة، وحتى الأمن الداخلي للدول، تحت مبررات محاربة الإرهاب والقرصنة البحرية.
المساهمون