"الآخر والآخرون في القرآن": إصرار على تأويل النص

20 ابريل 2016
من المصحف الأزرق (متحف باردو، تونس)
+ الخط -
في إصداره الجديد "الآخر والآخرون في القرآن" (منشورات "دار التنوير"، القاهرة 2015)، يحاول المفكّر التونسي يوسف الصدّيق (1943) التطرّق إلى مجالات نظرية تشكّل إضافة نوعية إلى مفهوم "الآخر" في القرآن.

التفكير، هذه المرّة، يتّكئ بشكل رئيسي على تلك النظرة الحيوية العقلانية إلى النص من جهة أنه نص توحيدي، بالدرجة الأولى، قد يكون مفيداً درس تماساته مع دوائر دينية أخرى، سيما تلك التوحيدية منها التي تدور تقربياً في الفلك الإثنوجغرافي نفسه.

"الآخر" في القرآن من وجهة الكاتب المتخصّص في الفلسفة وفي أنثربولوجيا الأديان، لا يتحدّد راهناً بمعجم الحقبة القديمة المؤسّسة، حقبة نزول الوحي. إنه الآخر الذي لا يكون مؤطّراً إلا بعُدّة تحتكم أولاً وآخراً إلى "العقل". العقل وهو يؤسّس ويعيد خلق هذا الآخر القرآني تبعاً للسياق التاريخي ورهاناته الحاضرة.

بهذا الفهم، يكون الآخر هو التأويل الدائم للنص بحسب المعطى العلمي الحديث والمنفتح على كل مكتسبات سيرورة الإنسان. نتحدّث، في هذا الحيّز مثلاً عن إمكانات وأدوات هي بالضرورة مغيّبة ومطموسة أو غير معترف بها في التعامل مع النص من منظور الإسلام الرسمي، مثل علوم اللغويات الحديثة، وعلم الأديان والنصوص المقارنة، وفقه اللغة المقارن، وصولاً إلى إمكانية الإفادة من أي فتح علمي رياضي أو فيزيائي.

بحسب الصدّيق، لا يستقيم فهم الآخر القرآني إلا بتأسيس أرضية معرفية هائلة تستوعب التماسات المعرفية لهذا النص وجذوره في الحضارات الكبرى المتاخمة. دليل اللغويات المقارنة الذي يعيد الكاتب طرحه على المتلقّي، وإن كان يفتقر عند الكاتب إلى تجذير معرفي سوسيولوجي مقارن أشمل وأعمق، فإنه يلفت الانتباه بالضرورة إلى خطورة التعامل مع نص غائر بهذا الحجم بفهم جامد لا يستوعب مجمل طبقات هذا النص ومداوراته وتجلّياته في سياقات الحضارة البشرية.

نذكر مثالاً، لا حصراً، من هذه التماسات اللغوية العربية/ اليونانية/ اللاتينية كلمة "سنبلة" (سورة يوسف، سورة البقرة). يقول الكاتب: "من كلمة "سنبلة" العربية كانت الكلمة الفرنسية symbole (رمز)، وهي تجميع المعاني في معنى واحد".

يفرّق صاحب "أم على قلوب أقفالها" بين المصحف المادي والقرآن، أي بين المصحف التاريخي المجموع بشغل الرجال وبين القرآن بوصفه تجلّياً إلهياً بالمعاني على قلب النبي الخاتم.

مفهوم "ختم النبوّة/ الوحي"، في هذا السياق، وباعتباره منطوقاً، فهو يضمر في طيّاته مسكوتاً عنه يكاد يضارعه من حيث الأهمية الانطولوجية، نعني بداية حقبة الاحتكام إلى العقل، أو بتعبير آخر فتح الظاهرة الدينية التوحيدية على مجهودات العقل الإنساني وعلى تماساتها الفلسفية، وهو ما جرى طمسه بعنف في مراحل عديدة مفصلية، منها ما جرى مع فيلسوف قرطبة ابن رشد.

في الخلاصة، يقيم صاحب "هل قرأنا القرآن؟" فكرته عن الآخر في تعارض بديهي مع ثبوتية الفكرة التراثية. تلك الفكرة التي تستثمر المنطوق النصي الظرفي لصالح فهم شمولي لاتاريخي بأدوات مفهومية هي ذاتها نتاج تاريخ أرضي، وهي نتاجات متأخرّة نسبياً كعلم الناسخ والمنسوخ أو علم أسباب النزول في القرنين الرابع والخامس الهجريّين.

نتاجات هي، في العمق، محاولات للَيّ عنق النص في سبيل قوننة وتقعيد هذا الفهم الثبوتي للعلاقة مع الآخر القرآني من خلال الآلية، التي حدّدت عبرها الآيات التي نُسخت وكانت في معظمها تصبّ في خانة إقصاء، أيّ مجالات تتيح زحزحة مفهوم "الآخر التراثي" إلى مساحة تتّسم بالتعدّدية وإمكان تثبيت العقل حاكماً بالتأويل لمجمل الآيات.

المساهمون