فعلت روسيا ما توعّدت به قبل أسابيع، إثر إسقاط طائرتها "إيل-20" في اللاذقية السورية في 17 سبتمبر/أيلول الماضي ومقتل 15 جندياً روسياً، فسلّمت النظام السوري منظومة الدفاع الجوي "إس-300"، على الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية، لترفع احتمالات حدوث اشتباك مباشر مع تل أبيب في الأجواء السورية، مع توعّد الاحتلال بأنه سيواصل العمل في سورية "لحفظ أمنه"، غير أن حسابات ومؤشرات أخرى تجعل حصول اشتباك بين الطرفين أمراً مستبعداً. وصول "إس-300" إلى النظام السوري، يطرح تساؤلات عن قدرة الاحتلال على مواصلة عملياته في سورية، مع حديث إسرائيل عن قدرتها على التعامل مع هذه المنظومات عبر الاعتماد على مقاتلات "إف 35"، والإشارة إلى وجود "إس-400" في سورية منذ وقت سابق تحت إشراف القوات الروسية ولم يتم استخدامها ضد الجيش الإسرائيلي، الذي أعلن مطلع الشهر الماضي أنه نفذ أكثر من 200 غارة على مواقع وأهداف في سورية منذ العام الماضي.
جاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، الثلاثاء، أن وزير الدفاع سيرغي شويغو أبلغ رئيسه فلاديمير بوتين بأن روسيا سلّمت المنظومات الصاروخية للدفاع الجوي "إس-300" إلى النظام السوري، موضحاً أن بوتين اجتمع مع أعضاء مجلس الأمن القومي، وبحث معهم الوضع في سورية. وقالت وسائل إعلام روسية إن وزير الدفاع أبلغ الحاضرين بتسليم منظومات "اس-300" وغيرها من المعدات العسكرية المخصصة إلى النظام السوري بغية تعزيز أمن العسكريين الروس في هذا البلد، وتنفيذاً لقرار بهذا الشأن اتخذ إثر تحطم طائرة الاستطلاع الروسية "إيل-20" في سورية يوم 17 سبتمبر/أيلول الماضي.
وكشف شويغو أن روسيا سلمت للنظام السوري 49 قطعة من المعدات العسكرية في إطار توريد "إس-300"، موضحاً أن تلك المعدات شملت آليات القيادة، و4 منصات إطلاق وغيرها، مضيفاً أن العسكريين الروس بدأوا تدريب الخبراء السوريين على استخدام أنظمة "إس-300" المستوردة وسيكملون التدريبات خلال 3 أشهر. وكانت موسكو قد حمّلت تل أبيب مسؤولية إسقاط طائرة "إيل-20" بنيران الدفاعات الجوية السورية، متوعدة بالرد الذي جاء كما يبدو عن طريق تسليم منظومات "إس-300" لتكون رادعاً للطيران الإسرائيلي.
وتعليقاً على تسليم المنظومة للنظام، اعتبرت الولايات المتحدة أن الخطوة الروسية تصعّد المخاوف الموجودة في سورية، في موقف يعكس القلق الأميركي من تمادٍ روسي شرقي المتوسط. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر ناورت إنه ليس بوسعها تأكيد تقارير تسليم النظام "إس-300"، مضيفة: "آمل ألا يكونوا قد فعلوا ذلك. أعتقد أن هذا سيكون تصعيداً خطيراً في المخاوف والمشاكل الموجودة في سورية".
أما الاحتلال الإسرائيلي المعني الأبرز بهذا التطور، فحاول التقليل من تداعيات نشر بطاريات "إس-300" في سورية، عبر تأكيد وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أن جيش الاحتلال "لن يتردد في العمل (في سورية) في حال توفرت لديه معلومات تلزم التحرك عندما نرصد أمراً يمس أمننا، وسنقوم بذلك من دون اعتبار للحسابات الأخرى". وأعلن ليبرمان أن إسرائيل تولي أهمية للتنسيق العسكري مع روسيا والمحافظة عليه، مشيراً إلى حقيقة وجود بطاريات دفاعية من طراز "إس-400" في سورية تحت إشراف القوات الروسية، ومع ذلك لم يتم استخدامها ضد الطيران الإسرائيلي.
من جهته، أقر قائد الدفاعات الجوية السابق في الجيش الإسرائيلي، الجنرال احتياط شاحر شوحاط، بأن الوضع الجديد يفرض تغييراً في قواعد اللعبة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الطيارين الإسرائيليين يملكون خبرة في التعامل مع منظومات "إس-300"، وأن الجيش في مثل هذه الحالة سيزيد اعتماده على مقاتلات "إف 35".
أما وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون، فأعلن في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أن تسلم النظام السوري لهذا النوع من المنظومات لن يمنع النشاط الإسرائيلي في سورية، بل إن الجيش الإسرائيلي سيزيد في ظل وجود هذه المنظومات من اعتماده على مقاتلات "إف 35" القادرة على التهرب من شبكات الإنذار والرصد. وأضاف يعالون أن طياري سلاح الجو الإسرائيلي سبق لهم أن تدربوا على التعامل مع منظومات "إس-300" المتوفرة لإيران منذ العام 2015.
وتعليقاً على هذا التطور، أوضح الخبير العسكري العقيد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "منظومة الصواريخ إس-300 منظومة متطورة جداً، وتشكّل خطراً فعلياً على الطيران المستهدف"، مضيفاً: "قلما توجد طائرة في العالم مجهزة بتكنولوجيا تنقذها من هذه الصواريخ، فصاروخ إس-300 يشبه بعمله صاروخ الباتريوت، لكنه أدق ومواصفاته أعلى، ويستطيع التعامل مع أهداف على ارتفاع 10 أمتار إلى 33 كيلومتراً تحلق بسرعة 10 آلاف كيلومتر في الساعة". ولفت إلى أن "هذه المنظومة تتميز بإمكانية تثبيتها أو تركيبها على مركبات متحركة، وتوجد منها عدة نسخ، منها ما دخل الخدمة نهاية سبعينيات القرن الماضي، وبالتالي لم تعلن روسيا أي سلسلة منها سلّمت للنظام".
وحول قدرة إسرائيل على تدمير أو التشويش على منظومة "إس-300" في الأراضي السورية، قال حسون: "إسرائيل في سباق تسلح مع دول في المحيط، مما يتطلب منها أن تمتلك قدرات عسكرية تتعامل مع مثل هذه الأسلحة"، مضيفاً "سبق لروسيا أن باعت المنظومة إس 300 لإيران، واستطاعت قبلها إسرائيل الحصول على الطائرة الأميركية القادرة على التعامل معها وهي الطائرة إف 35، وإسرائيل لديها القدرة حتى على التعامل مع المنظومة إس-400 الأكثر تطوراً".
من جهته، أوضح العقيد المختص بصواريخ الدفاع الجوي، خالد السليمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا توجد صواريخ لا يمكن التشويش عليها"، مضيفاً: "هناك صواريخ يمكن للتشويش أن يشل عملها تماماً كالأنظمة القديمة التي تحتاج لتوجيه الصاروخ بشكل مستمر من لحظة الإطلاق حتى وصوله للهدف"، لافتاً إلى أن "المبدأ مختلف في أنظمة الصواريخ الحديثة، فمنظومة توجيه الصاروخ محمّلة على متنه، وما على رادار المتابعة إلا إنارة الأهداف، أي يقوم الرادار بالكشف الدائري والإشارات المنعكسة على الهدف، يلتقطها الصاروخ ويقوم بالعمليات الحسابية الآنية بنفسه ويقوم باتباع منتصف الشعاع".
وأضاف السليمان: "في حال قام الهدف بالتشويش فيمكن للصاروخ أن يتبع منتصف شعاع التشويش، وبالتالي لا يتأثر بالتشويش على المحطة التي كانت تضيء له الهدف بشعاع الرادار"، مشيراً إلى أنه "يمكن لهذه المجموعات الصاروخية الحديثة أن تطلق الصواريخ بكافة الاتجاهات وعلى 12 هدفا في آن واحد، أما التشويش من الأرض فله تأثير لكنه ضعيف والسبب أن شعاع التوجيه غالباً ما يضعف على المسافات البعيدة بسبب تحدب الأرض ويمكن تلافي هذه الظاهرة بوضع محطات التشويش في أعالي الجبال".