"إدوارد المعلون" أو حي بن يقظان المعاصر

28 يونيو 2015
مهنّد عرابي، مواد مختلطة على قماش
+ الخط -

"جميع الناس بؤساء لكنهم لا يعلمون بذلك"، هذا حكم يطلقه إدوارد الصغير، الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، والذي لم ينشغل سوى مرة واحدة في قراءة كتاب، لكنه منذ أن ولدته أمه ظل وحيداً وصامتاً ومتأملاً.

فهل تبرر الوحدة والصمت والتأمل إطلاق مثل هذا الحكم، وغيره الكثير من الأحكام في الكتاب، الذي يفترض بالضرورة: اختزان خبرات كثيرة، وتمثّل معارف أكثر؟ فهل نسج الراوي على منوال "حيّ بن يقظان" غافلاً عن توليد الأفكار ونموها منطقياً؟

لا ينشغل الكاتب عادل فيصل الزعبي في عمله "إدوارد الملعون" الصادر حديثاً عن "الفارابي"، بتفسير ولا تبرير ألمعية وفتنة شخصيته الرئيسة في الرواية، رغم أنه يبني نصه على النسق الكلاسيكي، فهو يعتمد الزمن الخطي الصاعد، وضمير الغائب في سردية راوٍ مسيطر وعليم بالذي تبيح معرفته الحكاية، وبالذي لا تبيح.

وهو إلى ذلك يتجاهل نظام الحقيقة في بناء الرواية الكلاسيكية، الذي يفرض فرضاً علاقة سببية بين الأحداث والشخصيات التي تصير مألوفة ومتوقعة. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نفسر علاقة النفور والكره بين إدوارد وإخوته السبعة، الذين يشكلون كتلة واحدة متضامنة وغير متمايزة في مواجهته، والحال نفسه في علاقته مع أبيه وأمه، ثم ما دامت علاقته مع العالم مأزومة، كيف تسنى له أن ينخرط في علاقات حميمة؟

وإذا كان قد استجاب إلى رغبة المشرفة التربوية في مدرسته، التي استمرت في شغفها به وملاحقتها له، فمن أين أتته الحرية والتحرر والاندفاع إلى ملامسة طفلة المدرسة التي ظهرت خليعة ومجربة ومنساقة من فتنة لا رد لها، والتي بدت معزولة ومفصولة عن منظومة علاقات المجتمع وقيمه.

وحال هذه الطفلة كحال السائحة الشقراء، والصبية الثرية ذات العينين العسليتين التي تعلّقت به من مجرد نظرة خاطفة قد تبادلتها معه وهو يركض هارباً بالحقيبة المسروقة بعد تجليه من عزلته الغابية.هذا لأن الراوي قد تركنا في جهلنا عن منابع فتنة إدوارد، الذي لم يتبادل معهن الكلام كي نربط الفتنة بتميزه الروحي والعقلي المفترض، ولم يصف لنا شكله وبنيته الجسدية كي نعي انجذابهن الغامض إليه.

والراوي المؤلف لا ينشغل أيضاً بعلاقات الانتقال بين الوحدات السردية، ولا في العلاقات التي تفترضها كل سردية على انفراد؛ فهو يباشر عمله بحضور كثيف للصراخ والضجيج الذي يضيق به إدوارد، ثم يغيب -بعد ذلك- غياباً كاملاً في الرواية.

ويأتي التمرد فيذهب إدوارد إلى الغابة التي يعتزل فيها نحو سنتين، من دون أن يمكننا الراوي من معرفة آثار هذه العزلة على روحه وجسده، سوى أنه اتّسخ وطالت لحيته، ثم حين يهجر الغابة وينتقل إلى المدينة الغريبة، فيسرق ويقتل ويصير ثرياً ومبدعاً وإنسانياً، ثم فجأة يقطع مع هذا كله لكي يتحوّل إلى ثائر يعيش مع المشردين ويقودهم إلى مملكة الطوبى.

المساهمون