"إخوان" الأردن وفرصة الولادة الأخيرة

14 يونيو 2015
أنصار الإخوان في الأردن (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -

تعيش جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، منذ نحو ثلاثة أشهر، مرحلة مفصلية في تاريخها السياسي. وتضع المؤشرات الماضية والقادمة مستقبل الجماعة بين خياري الزوال أو إعادة الإنتاج في إطار جديد ساهمت الحكومة في صناعته.

ويتمثل هذا الإطار في الجمعية السياسية التي تحمل نفس اسم "جماعة الإخوان المسلمين"، ومُنحت في مطلع مارس/ آذار الماضي ترخيصاً رسمياً أورثها الجماعة التاريخية على الورق، على أمل أن ترثها على الأرض.

اقرأ أيضاً: الحكومة الأردنية تواصل نزع الشرعية عن الإخوان المسلمين 

ويوم الجمعة الماضي، كررت السلطات السيناريو نفسه الذي انتهجته خلال الأسابيع الماضية في التعامل مع الجماعة التاريخية، وذلك عندما منعت أجهزتها الأمنية تحت مبرر تطبيق القانون، فعالية جماهيرية كانت الجماعة تعتزم تنفيذها في مدينة الزرقاء المتاخمة للعاصمة عمّان في الشمال الشرقي، والتي تصنّف معقلاً قوياً للجماعة. لتتم بذلك الجماعة ثلاثة أشهر من الحرمان من النزول إلى الشارع، باستثناء فعالية يتيمة نفذتها في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين منتصف مايو/أيار الماضي، إحياءً لذكرى النكبة الفلسطينية.

وتسعى الحكومة من وراء المنع المستند إلى اعتراض رسمي مقدّم من جمعية "الإخوان" المؤسسة حديثاً، والتي يتزعمها القيادي المفصول من الجماعة عبد المجيد الذنيبات، إلى تحويل الجماعة إلى تنظيم في المكاتب، وهو ما عبّر عنه صراحة الذنيبات في حديثه لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى عزل الجماعة عن قواعدها الشعبية، وإفقادها قدرتها على التأثير.

وليس "تنظيم في المكاتب" هو الهدف النهائي الذي تسعى لتحقيقه الحكومة والجمعية؛ فمنذ نهاية مايو/أيار الماضي، أخذ الصراع منحى أكثر شراسة عندما نجحت الجمعية في الحصول على فتوى قانونية من ديوان الرأي والتشريع، تجيز نقل أملاك الجماعة إليها، وهي الفتوى التي باشرت دائرة الأراضي تطبيقها، بغية تحويل الجماعة إلى تنظيم دون شارع ومكاتب أيضاً.

واللافت في هذا الصراع أنّ الجماعة مسكونة بهاجس الخلاص من أزمتها، وتظن أنه سيكون إلهياً ينتصر للحق، كما يردد أعضاء في التنظيم، ويتمنون أن السلطة التي كانوا حلفاءها عبر التاريخ لن تغامر بالانقضاض عليهم، معتبرين أنفسهم صمام أمان للنظام وأحد ركائز النسيج الاجتماعي الأردني. وبسبب تلك الآمال، لم يبادروا إلى أي خطوة يصدّون بها الهجوم عن أنفسهم، أو يقللون من خسائر مفترضة تنتظرهم.

منذ بداية الأزمة التي تمثلت أول الأمر بخلاف داخلي في صفوف الجماعة تطور إلى صراع، كان لدى قيادة الجماعة التي يصفها أحد أعضائها "قيادة الأتقياء وليس الحكماء"، جملة من الخيارات لتجنب الأزمة، لكنها فرّطت فيها؛ فرفضت بداية ترخيص الجماعة، الذي طعن بالترخيص الذي حصلت عليه عام 1945، وصنفها فرعاً للجماعة المصرية، كما رفضت اقتراحاً بترخيص جمعية مكونة من عدد محدود من قيادتها المعروفة تكون واجهة قانونية يختبئ خلفها التنظيم. ومع تحول الخلاف إلى صراع، رفضت القيادة أن تستقيل وهو المطلب الذي رفعه المعارضون، الذين وصفوا أنفسهم بالإصلاحيين، ما أفقدها شيئاً فشيئاً زمام المبادرة.

وبعدما تحول الخلاف إلى نزاع قانوني إثر ترخيص الجمعية الذي خسرت بموجبه الجماعة الأصلية شرعيتها، لم تحاول قيادتها تقليل الخسائر المتوقعة؛ فلم تبادر، أو تحاول على الأقل، إلى إنقاذ أملاك الجماعة، رغم إعلان قيادتها عزمها على ذلك، عبر نقل ملكيتها إلى هيئات وشخصيات بما يحول دون الاستحواذ عليها.

وخلال الأشهر الماضية، بقيت تنظر الجماعة إلى الجمعية على اعتبارها فقاعة ستزول سريعاً، وتتحول إلى تنظيم معزول كما حدث مع محاولات انشقاق سابقة عاشتها الجماعة. غير أن الجمعية نفسها تنظر إلى الجماعة الأصلية كفقاعة محكومة بالزوال. ولهذا، زحفت أخيراً إلى معاقلها وعقدت اجتماعات مع كوادرها بغية إيضاح موقف قيادة الجمعية من قرار الترخيص، الذي تغلفه بحرصها على فكرة "الإخوان" من الحظر الرسمي أو إعلانها إرهابية على غرار ما حدث في مصر. وطموحها من خلال الحوارات التي تعقدها أن تضمن انتقالاً لكوادر الجماعة إلى الجمعية، لتصبح قيادة الجماعة الرافضة للحوار والتنازل وحيدة دون مكاتب أو شارع ولا حتى كوادر، وهي الحوارات التي تواجهها الجماعة بمعاقبة المتورطين فيها من كوادرها ليس أكثر.

قيادة الجماعة المتقوقعة على ذاتها في انتظار أن تتحقق المعجزة فتعود مياهها إلى مجاري السلطة، تعيش معزولة أو رافضة لاستيعاب الواقع السياسي الجديد الذي فرضه انغماس الأردن في تحالف عربي معادٍ لجماعة الإخوان المسلمين، وتواصل تمترسها في أكثر مراحل ضعفها خلف إرث سياسي لم تعد تقيم السلطة وزناً له.

رغم ذلك، لا تزال أمام الجماعة وقيادتها فرصة لمعاودة الإمساك بزمام المبادرة والخروج من عنق الزجاجة، لكن قد يكلفها خسائر شكلية في سبيل الحفاظ على قوتها الجوهرية، أصعبها الولادة من جديد، وزوال اسم "جماعة الإخوان المسلمين" ورفع اسم جديد مرخص.

اقرأ أيضاً الأردن: لا أحزاب على أسس دينية

المساهمون