"أين ذهبت أموالنا؟"... أرقام الفقر تُجدد حسرة العراقيين

23 يناير 2017
ثلث العراقيين يعيشون تحت خط الفقر (Getty)
+ الخط -
غطت الأرقام الجديدة التي أعلنتها مصادر حكومية في العراق بشأن معدلات الفقر التي قفزت لمستويات تاريخية، هذه الأيام، على الجدل الدائر محلياً حول معارك الجيش والميلشيا مع تنظيم الدولة في الموصل، حيث بات السؤال الأول للمواطنين في أكثر أماكن التجمعات العامة من مقاه ونواد، وحتى في وسائل النقل الجماعي، هو "أين ذهبت أموالنا طيلة الثلاثة عشر عاماً الماضية؟"
ومؤخراً، أعلنت جهات حكومية عراقية وأخرى برلمانية عن أن 35% من العراقيين يرزحون تحت خط الفقر، غالبيتهم في مدن جنوب ووسط وشمال العراق، مما يعني أن قرابة 12 مليون عراقي غير قادرين على توفير أسس العيش العادية من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم وصحة وغيرها من الحقوق الإنسانية، وهي حالة لم يعرفها العراق حتى مع سنوات الحصار الاقتصادي، الذي فُرض عليه عقب حرب الخليج الأولى.
ويقول إحصائيون إن نحو ثلاثة ملايين عائلة في البلاد أقدمت على إلغاء وجبة غذائية يومية، لعدم تمكنها من توفير ثمن ثلاث وجبات كاملة.
وتقول وزارة النفط العراقية إنها صدّرت في غضون 12 عاماً الماضية نفطا خاما تصل قيمته إلى نحو 980 مليار دولار، فضلا عن الموارد الأخرى المتأتية للبلاد من خلال المساعدات التي تلقتها من الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وعربية مختلفة بلغت قيمتها نحو 30 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.
وأعلنت لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية في البرلمان العراقي، عن رقم جديد في معدل الفقر، الذي وصلت إليه البلاد.
وقال رئيس اللجنة، صادق المحنا، لـ "العربي الجديد": "ثلث الشعب العراقي تحت خط الفقر، هذه حقيقة لم تعد قابلة للنكران"، مبينا أن تلك النسبة كانت لعام 2016 حسب إحصاءات رسمية.
وقفزت معدلات الفقر بوتيرة متسارعة، حيث كانت لا تتجاوز 22% من السكان قبل ثلاث سنوات، وفق المحنا، الذي عزا هذا الارتفاع إلى الحرب التي تخوضها القوات العراقية لتحرير المدن من قبضة "داعش"، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط بالأسواق العالمية.
وتتملص الحكومة والأحزاب السياسية، المشاركة في السلطة، من إدراج عامل الفساد المالي ضمن أسباب استشراء الفقر بين العراقيين، وتتمسك بعامل الإرهاب والحرب القائمة عليه وانخفاض أسعار النفط.
ويعاني العراق بطالة كبيرة، خاصة بين فئة الشباب وعلى رأسهم خريجو الجامعات، في ظل عجز الحكومة عن تأمين الوظائف، فضلا عن قلة الفرص المتاحة في القطاع الخاص.
وتتمسك وزارة التخطيط العراقي برقم واحد، وترفض الأرقام الجديدة المعلنة، إذ تؤكد أن نسبة الفقر في العراق هي ربع السكان.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط ، عبد الزهرة الهنداوي، إن الوزارة ستجري خلال الشهر المقبل مسحاً جديدا يشمل جميع العراقيين لمعرفة ما وصلت إليه معدلات الفقر الحقيقية، بدون الاستماع إلى الأرقام المعلنة من البرلمان أو أية جهات أخرى.
وأشار إلى أن الوزارة تضع حالياً اللمسات الأخيرة على استراتيجية جديدة تبدأ خلال هذا العام وتنتهي في 2021، تستهدف تخفيض الفقر في البلاد.
وذكر الهنداوي أن زيادة معدلات الفقر دفعت وزارة التخطيط إلى استحداث صندوق مالي الغرض منه جمع الإعانات لدعم استراتيجية مكافحة الفقر، التي من المتوقع أن تنطلق خلال العام الحالي وتستمر حتى 2021.
وأضاف المتحدث باسم وزارة التخطيط أن الخطة تتعامل بشكل مباشر مع قطاعات مختلفة، أهمها الصحة والتعليم، ورفع مستوى الدخل، إضافة إلى معالجة أزمة النازحين.
واعترفت وزارة التخطيط عام 2013 بفشل الخطة الخمسية التي وضعتها عام 2010، وكانت تهدف إلى تقليل الفوارق بين مناطق المدينة والريف وزيادة الناتج المحلي، فيما أكدت أن العراق لا يزال بعيداً عن الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة.

وفي السياق نفسه، دعت لجنة نيابية متخصصة مؤسسات الدولة لدعم الاستراتيجية الجديدة لوزارة التخطيط، معربة عن تطلعاتها بأن تحقق أهدافها ضمن السقف الزمني المحدد.
وأشار عضو لجنة العمل النيابية، فيصل الزبيدي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن الفقر في العراق بلغ أعلى مستوياته، مما يتطلب اتخاذ إجراءات حازمة من جميع مؤسسات الدولة ذات العلاقة لمواجهته.
ويرى الزبيدي أن نجاح الخطة التي وضعتها وزارة التخطيط، يعتمد على مدى جدية مؤسسات الدولة في التعاطي معها، خاصة أن البلاد تعاني من مشكلات كبيرة أهمها الفساد، الذي ينخر العديد من الدوائر الرسمية.
ويبقى السؤال العراقي الذي تحوّل إلى لغة مشتركة بين مختلف أطياف الشعب، هو: أين ذهبت أموالنا؟
ويقول المواطن، سعدي أحمد، 55 عاما، لـ "العربي الجديد": "980 مليار دولار دخلت العراق مقابل النفط منذ الغزو الأميركي. هذه الأموال كانت قادرة على بناء عراق جديد من الصفر، لكن الآن نحن بلا ماء ولا كهرباء ولا خدمات ولا أمن ولا أمان، وفوق كل هذا هنالك فقر مدقع".
ونسب أحمد ظواهر سلبية خطرة، منها التسرب من المدارس واستشراء الجهل وانتشار الجريمة، إلى السياسات الحكومية الخاطئة.
أما صالح حسين، 49 عاماً، سائق تاكسي في بغداد، فيقول لـ "العربي الجديد" إن "الاحتلال الأميركي لم يترك خلفه شرفاء ليحكموا البلاد، وهذه سنن الاحتلال عبر التاريخ. لذا لا غرابة".
وغالبا ما تتعذر الحكومة بالحرب على "داعش"، على اعتبار أنها تستنزف حصة مهمة من إيرادات النفط.
وأظهرت بيانات حديثة لوزارة التخطيط، أن إيرادات العراق النفطية انخفضت بنسبة 70%، وأن الحرب ضد داعش استنزفت 30% من مخصصات الموازنة.
وقال وزير التخطيط العراقي، سلمان الجميلي، خلال مشاركته في الدورة التاسعة والعشرين للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" الشهر الماضي، إن العراق ما زال يمر بضائقة مالية ناجمة عن استمرار انخفاض أسعار النفط، الذي يعد المصدر الرئيسي لتمويل الموازنة العامة للدولة، مسبباً انخفاضاً في الإيرادات بنسبة 70%".
وقال الخبير الاقتصادي محمود العامري لـ "ألعربي الجديد": إن "اقتصاد العراق أحادي التمويل، لأن غالبية الموازنة تعتمد على ما يتم تصديره من النفط الخام"، وأضاف: "لم يتم استغلال أبواب أخرى لتوفير واردات مالية للحكومة، كالضرائب".
وأكد أن الحرب على تنظيم داعش وشراء الأسلحة عوامل استنزفت قدرات البلاد، إذ إن 23 ترليون دينار عراقي من مجموع من 100 ترليون، تم تسديدها إلى وزارة الدفاع والداخلية من أجل نفقات الحرب".
المساهمون