في نهاية شهر يوليو/تموز، أطلقت إذاعة "أرابيسك" السورية مسلسلاً جديداً من نوعه، يختلف -من حيث الشكل- عن جميع البرامج الإذاعية التي تبثها الإذاعات السورية، وهو مسلسل "أنت القاضي"، الذي يبث بشكل أسبوعي على قناة "أرابيسك". تم التعريف بالمسلسل بوصفه أول "برنامج" سوري مختص بالقانون، وحاول صناعه أن يعطوه ثقلاً من خلال إشراف شركة متخصصة بالقانون على إعداد المسلسل، وهي شركة "إعمار القانونية". وقد جاء بصيغة مسلسل إذاعي تفاعلي.
يبدو "أنت القاضي" كمحاولة جديدة فاشلة تقيمها الإذاعات السورية لمواكبة التطور التقني وهوس الجمهور بالسوشال ميديا؛ حيث قامت "أرابيسك" ببث حلقات المسلسل إذاعياً، وطالبت الجمهور بختام الحلقة بأن يتفاعلوا مع القضية المطروحة بقالب درامي والحكم عليها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ إن حلقات العمل تتكون من حكايات درامية مفتوحة مجسدة صوتياً، تروي تفاصيل خلاف قانوني بين جهتين متعارضتين، وتتوقف القصة عند محطة جدلية، ليتدخل المذيع بسؤاله عن الحكم الذي سيصدره الجمهور لو حلّوا محل القاضي لفض النزاع؛ ليأتي هنا دور الجمهور من خلال التفاعل مع القضية والحكم عليها على المنشور الخاص بالحلقة على فيسبوك. إلا أن دور الجمهور يبدو بلا أهمية، لأن القائمين على العمل لم يهتموا خلال الحلقات الماضية ببث الأحكام التي قدمها الجمهور، أو حتى بالرد عليها على السوشال ميديا.
وعلى الرغم من أن الطابع التفاعلي للمسلسل يبدو منقوصاً، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام التقليدية لطالما أعطت مساحة لتفاعلات الجمهور من خلال تخصيص جزء من وقتها للاستماع لآرائهم عبر الاتصالات الهاتفية أو الرسائل النصية؛ إلا أن "أرابيسك" تتعاطى مع هذه الميزة وكأنها إنجاز يعبر عن مدى انفتاح القناة على الحداثة والتجديد.
اقــرأ أيضاً
الأغرب من ذلك، أن الحملة الترويجية للمسلسل تتعاطى مع هذا الشكل الجديد باعتباره مؤشراً يدل على الحالة الديمقراطية التي تعيشها سورية اليوم في ظل حكم الأسد، من دون أن تبالي أن هذه الديمقراطية ليست سوى ديمقراطية زائفة، تتيح للجمهور مناقشة القضايا القانونية الصغيرة والشخصية، ولا تتيح لهم مناقشة قضايا الفساد الكبرى ومحاكمة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه؛ فقضايا كملكية العقارات وحق الحضانة لا تتجاوز الخطوط الحمراء والقيود الرقابية، ولا يمكن اعتبارها مؤشراً للديمقراطية.
بين طيات المسلسل، يحاول صناعه أن يمرّروا رسائل سياسية لدعم سياسات النظام السوري الرامية لإعادة اللاجئين وتهيئة المجتمع السوري لمرحلة "ما بعد الأزمة"؛ ويبدو ذلك واضحاً في الحلقة الأولى، التي تتناول قضية ملكية بيت، صاحبه هجره بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وغادر خارج البلاد، فأصبحت ملكيته تعود لشخص وطني لم يغادر سورية؛ لتوضح الحلقة أن البيوت التي يتركها أصحابها هي عرضة للانتهاك، وأن الحكم بملكيتها هو أمر يحتمل الجدل؛ كما أن الحلقة تتضمن بعض العبارات على لسان شخصيات اللاجئين، التي تؤكد أن السوريين لن ينعموا بالحياة خارج بيوتهم وبلادهم.
يبدو واضحاً أن هذا النوع من البرامج، الذي يزيّف معنى الديمقراطية ويؤطرها في نطاق ما هو مسموح بمناقشته وفقاً لخطوط الإعلام الحمراء، لا يهدف سوى لتوجيه أفكار الشباب وانتقاداتهم نحو المسائل الصغرى والتسليم بالوضع السياسي القائم كواقع لا ملاذ منه.
وعلى الرغم من أن الطابع التفاعلي للمسلسل يبدو منقوصاً، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام التقليدية لطالما أعطت مساحة لتفاعلات الجمهور من خلال تخصيص جزء من وقتها للاستماع لآرائهم عبر الاتصالات الهاتفية أو الرسائل النصية؛ إلا أن "أرابيسك" تتعاطى مع هذه الميزة وكأنها إنجاز يعبر عن مدى انفتاح القناة على الحداثة والتجديد.
الأغرب من ذلك، أن الحملة الترويجية للمسلسل تتعاطى مع هذا الشكل الجديد باعتباره مؤشراً يدل على الحالة الديمقراطية التي تعيشها سورية اليوم في ظل حكم الأسد، من دون أن تبالي أن هذه الديمقراطية ليست سوى ديمقراطية زائفة، تتيح للجمهور مناقشة القضايا القانونية الصغيرة والشخصية، ولا تتيح لهم مناقشة قضايا الفساد الكبرى ومحاكمة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه؛ فقضايا كملكية العقارات وحق الحضانة لا تتجاوز الخطوط الحمراء والقيود الرقابية، ولا يمكن اعتبارها مؤشراً للديمقراطية.
بين طيات المسلسل، يحاول صناعه أن يمرّروا رسائل سياسية لدعم سياسات النظام السوري الرامية لإعادة اللاجئين وتهيئة المجتمع السوري لمرحلة "ما بعد الأزمة"؛ ويبدو ذلك واضحاً في الحلقة الأولى، التي تتناول قضية ملكية بيت، صاحبه هجره بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وغادر خارج البلاد، فأصبحت ملكيته تعود لشخص وطني لم يغادر سورية؛ لتوضح الحلقة أن البيوت التي يتركها أصحابها هي عرضة للانتهاك، وأن الحكم بملكيتها هو أمر يحتمل الجدل؛ كما أن الحلقة تتضمن بعض العبارات على لسان شخصيات اللاجئين، التي تؤكد أن السوريين لن ينعموا بالحياة خارج بيوتهم وبلادهم.
يبدو واضحاً أن هذا النوع من البرامج، الذي يزيّف معنى الديمقراطية ويؤطرها في نطاق ما هو مسموح بمناقشته وفقاً لخطوط الإعلام الحمراء، لا يهدف سوى لتوجيه أفكار الشباب وانتقاداتهم نحو المسائل الصغرى والتسليم بالوضع السياسي القائم كواقع لا ملاذ منه.