"أنا هويت" على طريقة "مسار إجباري": توزيع آخر لجمهور آخر

04 مارس 2018
من صفحة الفرقة على "فيسبوك"
+ الخط -
بعيداً عن الأداء الفردي من قبل بعض الفنانين العرب للأغنية، جرت استعادة "أنا هويت وانتهيت" من قبل فريق "مسار إجباري" المصري. وهي تجربة تستحق التوقف عندها نظراً إلى أن الفريق اختار توزيعاً مختلفاً تماماً للأغنية، مع الحفاظ على روح اللحن، وهوية التسجيل الأساسي للأغنية.

ارتبط اسم "مسار إجباري" بسيد درويش لسنوات طويلة. ارتباط يبدو بديهياً وتلقائياً عند كل الفنانين الذين ولدوا وكبروا في الاسكندرية نهاية سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي. وهو الجيل الأخير الذي كان شاهداً على الإسكندرية التعددية، وعلى اختلاط الشعوب في المدينة. اختتم هذا الجيل المشهد المتنوع والملوّن للمدينة. المشهد الذي لحّن وغنّى فيه سيّد درويش، وكان أثره لا يزال واضحاً بشكل كبير على كل الفنانين السكندريين، قبل أن تزحف ثقافة الطبقة الوسطى المحافظة، إلى المدينة المتوسطية، وقبل أن تبدأ عمليات تمييع هويتها الثقافية والفنية والمعمارية.

"الاسكندرية من المدن التي تؤثّر كثيراً في أهلها" يقول أيمن مسعود من "مسار إجباري" لـ"العربي الجديد"، "نحن كنا شهوداً على المدينة التي عاش فيها سيدّ درويش، ونعرف جيداً كيف أثرت على إنتاجه الموسيقي". طبعت المدينة إذاً أغاني سيد، وطبع هو هويته فيها، فكان طبيعياً أن يتحوّل هو، إلى مرجع شبه وحيد لفناني المدينة، "أثّر فينا بشكل كبير، وأثّر على خياراتنا الموسيقية" يقول مسعود.

لعلّ الأثر الأول ظهر باستعادة "مسار إجباري" لـ"أنا هويت وانتهيت". "كانت من أغاني هاني (الدقاق ــ مغني الفريق) المفضلة، وقرر أن نعمل عليها ونعيد تسجيلها"، يقول مسعود.

وهو ما حصل، في بدايات الفريق الأولى عام 2005. في الاستديو الصغير الذي بدأ فيه "مسار إجباري" مسيرته، المعقدة في سنواتها الأولى، سجّلت الأغنية. وبدا سريعاً أن بطل التسيجل الجديد هو التوزيع. ورغم أنه نادراً ما يتم تعامل مع إعادة التوزيع بجدية في العملية النقدية، إذ يتمّ التركيز بطريقة آلية (وغير منهجية) على أداء المغني ثمّ التلحين ثمّ الكلام، يبدو التوقف عند توزيع مسار إجباري لـ "أنا هويت وانتهيت" ضروريا. 5 آلات فقط استخدمت في التوزيع الجديد، الغيتار (أكوستيك/هاني الدقاق وإلكتريك/محمود صيام)، البايس غيتار (محمد حافظ)، الكيبورد (أيمن مسعود) والدرامز (تامر عطالله)، إلى جانب صوت هاني، جعلت العمل تجريبياً، ومختلفاً، وربّما أكثر مباشرة في مخاطبة جمهور مختلف تماماً عن ذاك الذي غنّت له سعاد محمد أو محمد عبد لوهاب أو فيروز عند إعادة تسجيل العمل. شريحة أخرى تماماً غير منمّقة ولا نخبوية، لجيل إسكندري ومصري لم يعرف على الأرجح من سيد درويش سوى الأخبار (التي تحولت إلى أساطير) عن سمعته وحياته الشخصية، وبعض الأغاني التي دخلت هامش الكليشيه المستهلك مثل "الحلوة دي"، و"الشيالين".

أعطى "مسار إجباري" للموسيقى أهمية تفوق أهمية الكلام (كتبه يونس القاضي). ينتهي أداء هاني في الغناء، ويستمّر صولو الموسيقى، لأكثر من ثلاثة دقائق، "هي هويتنا، وهي طريقتنا في قول ما نشعر به في التعامل مع "أنا هويت وانتهيت" يقول أيمن مسعود. 6 دقائق من الأغنية تتأرجح بين هامشين: الحفاظ على روح سيد درويش، والخروج من عباءة أغاني التراث المصري.

قد يبدو تسجيل "مسار" دخيلاً، وربما خارجاً أو في أكثر التوصيفات تفاؤلاً، مختلفاً عن كل ما سبقه. لكنّه تسجيل تجريبي "شجاع"، فتح الباب أمام الفريق لتسجيل أغانٍ أخرى مثل "اقرأ يا شيخ فقاعة"، و"والله تستاهل يا قلبي"، ثمّ الجنوح نحو آخرين مثل سيد مكاوي والشيخ إمام، بتوزيع يطغى على كل ما في الأعمال التراثية.

المساهمون