"أمازون" والإدارة الأميركية: تواطؤ البائع والشاري

24 يناير 2019
تزود "أمازون" وكالات استخباراتية بخدماتها السحابية(أوسكار دِل بوزو/فرانس برس)
+ الخط -
خلقت الشركات التكنولوجية العملاقة دولة أساسها المراقبة الجماعية، ويحتكرها عدد محدود من اللاعبين، رغم أنها روّجت منذ تأسيسها لـ "يوتوبيا" أساسها التواصل المفتوح وحرية تدفّق المعلومات. التناقض بين المبادئ الأخلاقية التي قامت عليها هذه الشركات وحقيقة عملها، ينعكس جلياً في تهافتها وراء العقود الحكومية، خاصة في المجال العسكري والاستخباراتي. 


وشركة "أمازون" ليست بعيدة عن هذه المعضلة في "وادي السيليكون"، فالحكومة الأميركية أكبر زبائنها. ومؤسّسها، الرجل الأكثر ثراءً في العالم، جيف بيزوس، يروّج لتعاونه مع وزارة الدفاع الأميركية باعتباره واجباً وطنياً؛ "إذا كانت شركات التكنولوجيا الكبرى ستدير ظهرها لوزارة الدفاع الأميركية، فنحن في مشكلة كبيرة". 

وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) 
يعزو خبراء نفوذ "أمازون" في مجال الدفاع والاستخبارات إلى توظيفها، عام 2011، العميد السابق في سلاح الجو الأميركي، ستيفين سبانو (لا يعمل في الشركة حالياً). 
الشركة عقدت صفقة مع الحكومة الأميركية لتزويد "وكالة الاستخبارات المركزية" ووكالات استخباراتية أخرى، بخدماتها السحابية، عام 2013، حين تغلبت على شركة "آي بي إم" في الحصول عليها، وهو عقد ضخم تبلغ قيمته 600 مليون دولار أميركي على مدى 10 سنوات. 

الصفقة الأصلية تمّت خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لكن أُدخلت عليها بعض التعديلات بعد تولّي دونالد ترامب الرئاسة. 
في بيان نشرته الشركة، في مارس/آذار عام 2018، أفادت بأنها "مقدّم الخدمة السحابية الوحيد" الذي يتعاقد مع الحكومة على "النطاق الكامل لتصنيفات بيانات وزارة الدفاع الأميركية"، بما في ذلك المعلومات شديدة السرية (توب سيكريت). 


مشروع
JEDI 
تعدّ "أمازون" المرشح الأكثر حظاً للفوز بعقد الحوسبة السحابية في البنتاغون، "سحابة البنية التحتية للدفاع المشتركة" أو JEDI الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار أميركي. علماً أن "غوغل" انسحبت من المناقصة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، معتبرة أن المشروع يتناقض مع قيمها ومبادئها. 
ومن المتوقع أن يعلن البنتاغون عن الفائز الوحيد بالصفقة، خلال الربع الأول من العام الحالي. 
وكان عقد JEDI جذب اهتمام الشركات التكنولوجية التي تسعى إلى اللحاق بـ "أمازون"، في التعاون مع الحكومة الأميركية في مجال الخدمات السحابية. وصدرت الشروط النهائية للمشروع، في يوليو/تموز الماضي، بعد حملة ضغط استمرت أشهراً في واشنطن، من شركات التكنولوجيا، وبينها "مايكروسوفت"، التي عارضت خطط البنتاغون لاختيار فائز واحد فقط بدلاً من تقسيم العقد بين عدد من مقدمي الخدمات. 

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أشار موقع "وايرد" إلى أن العضوين في الكونغرس، توم كول وستيف ووماك، يسعيان إلى إجراء تحقيق رسمي في مزاعم بأن عملية المناقصة على العقد المذكور زُورت لصالح شركة "أمازون". ووجّها رسالة إلى المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية اتهما فيها القادة العسكريين بانتهاك القانون الفيدرالي ومعايير الأخلاقيات في الإدارات، عبر المضي قدماً في خطط لمنح عقد JEDI لشركة واحدة، رغم الانتقادات الواسعة من قادة الصناعة والمشرّعين. 


تقنية "ريكوغنيشن
" 
أنفقت شركة "أمازون" 3.63 ملايين دولار أميركي، في الفترة من 1 يوليو/تموز إلى 30 سبتمبر/أيلول الماضيين، للضغط على الحكومة الأميركية في مجموعة من القضايا، بينها تقنية التعرف إلى الوجوه (ريكوغنيشن)، وفقًا لوثائق الأخلاق الفيدرالية التي نشرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. 
وفي هذا السياق، كشف موقع "دايلي بيست" أن "أمازون" حاولت، في يونيو/حزيران الماضي، بيع نظام التعرف إلى الوجه لمسؤولي الهجرة والجمارك، كوسيلة لاستهداف المهاجرين أو تحديدهم. كما سوّقت "أمازون" التقنية نفسها لإدارات الشرطة كوسيلة لاستهداف الخارجين عن القانون. وباعت هذه البرمجية إلى وكالات حكومية في ولايتين أميركيتين، على الأقل. 
وتستطيع تقنية التعرف إلى الوجه الخاصة بـ "أمازون" تحليل الصور والفيديوهات، وبالتالي تعيين وملاحقة الأشخاص، كما تستطيع تحديد مشاعرهم في حالات معينة. 

يُذكر أن باحثين في شركتي "غوغل" و"مايكروسوفت" دعوا إلى وضع إجراءات تنظم عمل تقنية التعرف إلى الوجه، واصفين إياها بـ "القمعية"، معبرين عن قلقهم إزاء مخاطر الذكاء الاصطناعي على المصلحة العامة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وطالبها "اتحاد الحقوق والحريات المدنية" ومجموعات حقوقية ومدنية أميركية، في مايو/أيار الماضي، بالتوقف عن بيع تقنيتها المخصصة للتعرف إلى الوجوه للشرطة وكيانات حكومية أخرى، خوفاً من استغلالها في استهداف المتظاهرين والمهاجرين وغيرهم. كما طالب مساهمون في الشركة بأن تتوقف الشركة عن بيع التقنية إلى الجهات الحكومية، إلا إذا حددت إدارتها أن البرمجية "لا تسبب أو تساهم في انتهاكات فعلية أو محتملة لحقوق الإنسان والحقوق المدنية". 

السيطرة على مشتريات الحكومة الأميركية 
نصحت مسؤولة بارزة في "أمازون"، إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإطلاق بوابة إلكترونية خاصة، يتوقع أن تدرّ على الشركة التكنولوجية مليارات الدولارات، وأن تمنحها دور المسيطر على مشتريات الحكومة الأميركية كلها، بدءاً بمشابك الورق وصولاً إلى كراسي المكاتب. 
واطلعت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية على رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بين المسؤولة في "أمازون"، آن رَنغ، والمسؤولة البارزة في "هيئة الخدمات الحكومية" (جي إس إيه)، ماري دايفي، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حول النهج الذي ستتبعه الحكومة الأميركية في إنشاء البوابة الإلكترونية الجديدة. 
وأشارت "ذا غارديان" إلى أن المراسلات التي تعود إلى عام 2017 بين رَنغ ودايفي تكشف مزيداً من التفاصيل حول كيفية استخدام "أمازون" المسؤولين الحكوميين السابقين الذين توظفهم الآن، في كسب النفوذ، وربما صياغة العقود الحكومية المربحة، علماً أن رَنغ مسؤولة سابقة في إدارة أوباما. 
ولم تُحدد بعد الشركات التي تتولى تأسيس بوابة التجارة الإلكترونية الجديدة للحكومة الأميركية، لكن من المتوقع أن تضطلع "أمازون" بدور مهيمن، مما يمنحها موطئ قدم رئيسياً في سوق شراء المنتجات التجارية الاتحادية الذي تصل قيمته إلى 53 مليار دولار أميركي. 


دعم قدامى المحاربين
 
في سبتمبر/أيلول عام 2018، دخل بيزوس الساحة السياسية الأميركية بمساهمة مالية قيمتها 10 ملايين دولار أميركي، خصصها لصندوق "ذا هونور فاند" The Honor Fund الذي يدعم المرشحين من قدامى المحاربين في الجيش الأميركي، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، قبل انتخابات الكونغرس التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. "ذا هونور فاند" أكد المساهمة المالية، قائلاً إنها الأكبر التي حصل عليها. ووفقاً للصندوق، فإن نحو 200 من قدامى المحاربين سعوا إلى الحصول على مقاعد في مجلس النواب الأميركي، في 2018. 
كما قدّم والدا بيزوس، ميغيل وجاكلين، أكثر من مليون دولار أميركي، في وقت سابق من العام الماضي، للمجموعة نفسها.


ترامب وبيزوس

على الرغم من أن الحكومة الأميركية تعدّ أكبر زبائن شركة "أمازون"، إلا أن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، واظب منذ عامين ونصف العام على مهاجمة بيزوس، عبر

منصة "تويتر". إذ زعم ترامب أن هناك تقارير تفيد بأن "خدمة البريد تخسر ما معدله 1.5 دولار أميركي عن كل طرد لأمازون تقوم بتسليمه. أي ما مجموعه مليارات الدولارات". وغرّد أن "هذا الاحتيال عبر مكتب البريد يجب أن يتوقف. يجب أن تسدد أمازون التكاليف الحقيقية (والضرائب) الآن!".
وزعم في تغريدات أخرى أن الشركة تلحق أضراراً بالمدن والولايات في شتى أنحاء البلاد وتتسبب في خسارة وظائف. ويواصل الرئيس الأميركي مهاجمة صحيفة "واشنطن بوست" التي يمتلكها بيزوس أيضاً، زاعماً أنها منصة لنشر الأخبار الزائفة.
ووسط التساؤلات حول ما إذا كان الصراع بين الرجلين صراع سلطة أو مال، لا بدّ من الإشارة إلى أن بيزوس تصدر قائمة الرجال الأكثر ثراءً في العالم بـ112 مليار دولار أميركي، وهو الشخص الأول الذي يكسر حاجز المائة مليار دولار منذ بدأت مجلة "فوربس" تصنيفها عام 1987.
في المقابل، انخفضت ثروة ترامب بحوالي 400 مليون دولار أميركي، لتصل إلى 3.1 مليارات دولار أميركي، خلال عامه الأول في البيت الأبيض، ليحتل المرتبة الـ776 في القائمة نفسها.

المساهمون