ليلة الخميس الماضي، بدأت قناة "لنا" السورية بعرض برنامج "أكلناها"، الذي يقدمه الممثل السوري باسم ياخور؛ وهو بذلك يكون ثالث برنامج ترفيهي تستعين فيه القناة بفنان من فناني الصف الأول بالدراما السورية، بعد أن استعانت بـ أمل عرفة لتقديم برنامج "في أمل"، وأيمن زيدان لتقديم برنامج "سيبيا". وقد حل الممثل محمد حداقي ضيفاً على ياخور في الحلقة الأولى من البرنامج.
تقوم فكرة البرنامج على نوع من أنواع التحدي، الذي يكون فيه ياخور طرفاً ضد النجوم الذين يستضيفهم؛ حيث يقوم كلا الطرفين بطرح أسئلة محرجة على الآخر، وبحال فضّل أحدهم عدم الإجابة عن السؤال، فإنه ملزم بتناول الأطعمة والمشروبات الموجودة على المائدة الفاصلة بينهما، وهي أطعمة "سيئة" أعدها الشيف اللبناني أنطوان من خلال مزج أصناف غير متناسقة، مثل شراب التفاح الممزوج بماء السردين الحر، وحوافر الخراف الممزوجة بمربى الفريز، وغيرها، كما تتخلل هذه الأسئلة بعض التحديات الأخرى، بالرقص والرياضة والغناء.
رغم أن فكرة البرنامج قد تبدو غريبة من نوعها وجديدة على القنوات السورية، ورغم أن شرط اللعبة يوحي بأن الفنانين في هذا البرنامج سيكونون مجبرين على التحدث بجرأة ويكشفون عن تفاصيل جديدة لا نعرفها ويخرجون عن الكليشهات المعهودة في البرامج الحوارية السورية؛ إلا أن البرنامج في الحقيقة ليس سوى جلسة حوارية تقليدية لا تتخطى حدود الكليشيهات، تتم على طاولة عشاء تعافها النفس، بإيقاع بطيء للغاية ومرفقة بموسيقى تشويقية لا تناسب المشهد. وعلى طاولة العشاء هذه، يتقيأ المشاركون فقط، من دون أن تخرج منهم أي تصريحات أو تعليقات مثيرة.
هنا يجب أن نؤكد أن مشكلة البرنامج ليست بفكرته، فهي خارجة عن المألوف وجذبت المتابعين عندما عُرض البرومو الرسمي للبرنامج، وليست مشكلته بشخصية باسم ياخور كمقدم برامج، فهو وإن كان يفتقر بالكثير من اللحظات إلى القدرة على ضبط الإيقاع، ويبالغ بالاستعراض والتمثيل غير المقنع، إلا أنه فعلياً تمكن من إشعال الاستوديو طاقةً وحيوية، وهو أمر غير معهود باستوديوهات باقي البرامج السورية.
اقــرأ أيضاً
المشكلة فعلياً في العقلية السورية التي باتت تخشى من التفكير خارج حدود المحظورات فتلجأ للكليشيهات كنوع من الحماية، وهو الأمر الذي يجعلك تشعر بأن الفنانين السوريين بلقاءاتهم الصحافية والتلفزيونية يجاوبون ضمن سياق موحد، حتى في المواضيع غير السياسية، كالفن والرياضة؛ ولذلك لم يقم حداقي سوى بذكر اسم واحد في حلقة كاملة، واكتفى في معظم أوقاتها بتناول الطعام الغريب والتقيّؤ، رغم أن معظم الأسئلة كانت بسيطة ولا يمكن لشخص طبيعي أن يتهرب منها ويفضل أن يأكل حافر غنم مغطس بمربى الفريز. ربما لم يكن ليذكر ذلك الاسم لولا تداوله المستمر على الفضائيات السورية في البرامج السياسية، فاسم فيصل القاسم حاضر دائماً على هذه الشاشات.
بيد أن ياخور حاول أن يكون أكثر جرأة وأن يجيب عن بعض الأسئلة، وذكر اسم الكاتب ممدوح حمادة عندما سئل عن الكاتب الذي بات يكرر نفسه؛ فرد عليه حمادة مباشرةً بنشر منشور على صفحته الشخصية على فيسبوك شتم به ياخور وحداقي، ليؤكد أن الوسط الفني في سورية لا يحتمل أي نوع من أنواع النقد مهما بدا بسيطاً.
وباستثناء هاتين المناوشتين، فإن الحلقة بدت وكأنها تجسيد لروايات رابليه "غارغانتوا وبانتاغرويل"، التي نرى فيها ولائم عجائبيّة مقرفة، يلتهمها عملاقان وحولهما خدم وحشم، والفرق أن رابليه يمثل أنات متخيّلة وشرهة، تنشر الرعب، مثالاً على غروتيسكية العصور الوسطى، وكرنفالات تتهدد فيها السلطة وتتبادل الأدوار.
في حين أن برنامج ياخور هو مجرد التهام لطعام مقرف، لا يبدو كعقوبة على تهديد شكل السلطة القائم ورموزها، بل ثرثرة سطحيّة، تدّعي الجديّة، محكومة بالخوف والتمسك الشديد بحكايات النظام الجديّة والمقنعة، التي لا يمكن مساءلتها؛ فالالتهام هنا ليس عقوبة على كسر التابو أو تجاوز الممنوع، بل لعب طفولي محكوم بالخوف وفارغ من المحتوى.
رغم أن فكرة البرنامج قد تبدو غريبة من نوعها وجديدة على القنوات السورية، ورغم أن شرط اللعبة يوحي بأن الفنانين في هذا البرنامج سيكونون مجبرين على التحدث بجرأة ويكشفون عن تفاصيل جديدة لا نعرفها ويخرجون عن الكليشهات المعهودة في البرامج الحوارية السورية؛ إلا أن البرنامج في الحقيقة ليس سوى جلسة حوارية تقليدية لا تتخطى حدود الكليشيهات، تتم على طاولة عشاء تعافها النفس، بإيقاع بطيء للغاية ومرفقة بموسيقى تشويقية لا تناسب المشهد. وعلى طاولة العشاء هذه، يتقيأ المشاركون فقط، من دون أن تخرج منهم أي تصريحات أو تعليقات مثيرة.
هنا يجب أن نؤكد أن مشكلة البرنامج ليست بفكرته، فهي خارجة عن المألوف وجذبت المتابعين عندما عُرض البرومو الرسمي للبرنامج، وليست مشكلته بشخصية باسم ياخور كمقدم برامج، فهو وإن كان يفتقر بالكثير من اللحظات إلى القدرة على ضبط الإيقاع، ويبالغ بالاستعراض والتمثيل غير المقنع، إلا أنه فعلياً تمكن من إشعال الاستوديو طاقةً وحيوية، وهو أمر غير معهود باستوديوهات باقي البرامج السورية.
المشكلة فعلياً في العقلية السورية التي باتت تخشى من التفكير خارج حدود المحظورات فتلجأ للكليشيهات كنوع من الحماية، وهو الأمر الذي يجعلك تشعر بأن الفنانين السوريين بلقاءاتهم الصحافية والتلفزيونية يجاوبون ضمن سياق موحد، حتى في المواضيع غير السياسية، كالفن والرياضة؛ ولذلك لم يقم حداقي سوى بذكر اسم واحد في حلقة كاملة، واكتفى في معظم أوقاتها بتناول الطعام الغريب والتقيّؤ، رغم أن معظم الأسئلة كانت بسيطة ولا يمكن لشخص طبيعي أن يتهرب منها ويفضل أن يأكل حافر غنم مغطس بمربى الفريز. ربما لم يكن ليذكر ذلك الاسم لولا تداوله المستمر على الفضائيات السورية في البرامج السياسية، فاسم فيصل القاسم حاضر دائماً على هذه الشاشات.
بيد أن ياخور حاول أن يكون أكثر جرأة وأن يجيب عن بعض الأسئلة، وذكر اسم الكاتب ممدوح حمادة عندما سئل عن الكاتب الذي بات يكرر نفسه؛ فرد عليه حمادة مباشرةً بنشر منشور على صفحته الشخصية على فيسبوك شتم به ياخور وحداقي، ليؤكد أن الوسط الفني في سورية لا يحتمل أي نوع من أنواع النقد مهما بدا بسيطاً.
وباستثناء هاتين المناوشتين، فإن الحلقة بدت وكأنها تجسيد لروايات رابليه "غارغانتوا وبانتاغرويل"، التي نرى فيها ولائم عجائبيّة مقرفة، يلتهمها عملاقان وحولهما خدم وحشم، والفرق أن رابليه يمثل أنات متخيّلة وشرهة، تنشر الرعب، مثالاً على غروتيسكية العصور الوسطى، وكرنفالات تتهدد فيها السلطة وتتبادل الأدوار.
في حين أن برنامج ياخور هو مجرد التهام لطعام مقرف، لا يبدو كعقوبة على تهديد شكل السلطة القائم ورموزها، بل ثرثرة سطحيّة، تدّعي الجديّة، محكومة بالخوف والتمسك الشديد بحكايات النظام الجديّة والمقنعة، التي لا يمكن مساءلتها؛ فالالتهام هنا ليس عقوبة على كسر التابو أو تجاوز الممنوع، بل لعب طفولي محكوم بالخوف وفارغ من المحتوى.