"أسوشييتد برس" تنقل شهادات تعذيب لسجناء بمعتقلات الحوثيين

07 ديسمبر 2018
آلاف السجناء في معتقلات الحوثيين (Getty)
+ الخط -
كانت خطيئة فاروق بعكر الوحيدة أنه التقط لنفسه صورة ذاتية (سيلفي). بتلك الجملة تلخّص الوكالة قصة ذلك المسعف اليمني، الذي كان في دوامه في مستشفى الرشيد في اليوم الذي وصل فيه رجل ينزف إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى مصابًا بجروح جراء طلقات نارية وعلامات تعذيب. كان قد ألقي بالرجل على جانب أحد الطرق السريعة، بعد أن قضى في سجن يديره المسلحون الحوثيون الذين يسيطرون على شمال اليمن. تعرض الرجل للجلد على ظهره والتعليق من رسغيه لأيام. قضى المسعف بعكر ساعات يزيل فيها الرصاص وعلاج أمعاء الرجل التي تمزقت. كان يمر على غرفة تعافي المريض طيلة ثمانين يومًا، وفي النهاية وافق على أن يلتقط صورة ذاتية (سيلفي) معه.

بعد أسابيع من تلك الصورة، أمسك مسؤولون أمنيون حوثيون بالرجل مرة أخرى. فتشوا هاتفه ووجدوا الصورة. اقتحم المسلحون المستشفى في مدينة الجديدة الساحلية، وعصبوا عيني بعكر ودفعوا به في شاحنة. أخبروه بأنه بات عدوًا للحوثيين الآن بعد أن قدم مساعدة طبية لعدو لهم. منذ اعتقاله في منتصف 2016، قضى 18 شهرا في السجن، وخلال تلك الفترة، يقول إنهم أحرقوه وضربوه وعلقوه في السقف من رسغيه.


بعكر ومريضه من بين آلاف المسجونين لدى مليشيا الحوثي خلال الحرب اليمنية القائمة منذ أربع سنوات، الذين كشف تحقيق "أسوشييتد برس" أن الكثير منهم عانوا من تعذيب شديد وضرب رؤوسهم بالهراوات أو التعليق من رسغهم أو أعضائهم التناسلية لأسابيع أو حرقهم بسائل أو عنصر حمضي.

الوكالة تحدثت مع 23 شخصًا قالوا إنهم نجوا أو شهدوا عمليات تعذيب داخل مراكز احتجاز تابعة للحوثيين، فضلًا عن الحديث مع ثمانية من أقارب معتقلين، وخمسة محامين وناشطين حقوقيين، وثلاثة مسؤولين أمنيين انخرطوا في تبادل سجناء في أوقات سابقة، والذين قالوا إنهم رأوا علامات تعذيب على أجساد السجناء.

هذه الروايات تؤكد، بحسب الوكالة، أهمية اتفاق جارٍ العمل عليه لتبادل سجناء تم التوصل إليه في السويد يوم الخميس في بداية محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة بين الحوثيين والحكومة اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وكإجراء لبناء الثقة، وافق الطرفان على إطلاق عدة آلاف من السجناء، رغم أن التفاصيل لا يزال ينبغي العمل على تطويرها.



لكن بينما ستفرج الحكومة عن مقاتلين حوثيين معتقلين، سيطلق الحوثيون سراح مدنيين بشكل كبير مثل بعكر الذين سجنوا خلال عمليات تمشيط وحشية هدفت إلى قمع المعارضة والإمساك بأسرى يمكن مبادلتهم مقابل فدى، أو مقابل مقاتلين حوثيين اعتقلهم الطرف الآخر.

ووثقت رابطة أمهات المختطفين، وهي منظمة من قريبات معتقلين لدى الحوثيين، أكثر من 18 ألف معتقل في آخر أربع سنوات، بينهم ألف حالة تعذيب في شبكة من السجون السرية، بحسب صباح محمد، ممثلة عن الرابطة في مدينة مأرب.

تقول الرابطة إن ما لا يقل عن 126 معتقلًا توفوا من التعذيب منذ أن استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في أواخر 2014. أما منظمة العفو الدولية فتقول إن "انتهاكات حقوقية مفزعة، إضافة إلى جرائم حرب ارتكبت في مختلف أنحاء البلاد من جانب كل أطراف النزاع".

وكانت الوكالة ذاتها قد كشفت عن عمليات تعذيب في سجون سرية تديرها الإمارات العربية المتحدة وحلفاؤها اليمنيون، ووثقت موت مدنيين جراء ضربات جوية من طائرات مسيرة (درونز) في الحملة الأميركية "ضد تنظيم القاعد في اليمن".

ورغم أن الحوثيين لم يردوا على طلبات متكررة من "أسوشييتد برس" للتعليق في الأسابيع الأخيرة، فقد نفوا في أكثر من مناسبة سابقًا وقوع عمليات تعذيب، إذ قالت ما تسمى وزارة حقوق الإنسان الحوثية في بيان في أواخر 2016 إنه "لا توجد سياسة أو استخدام ممنهج للتعذيب ضد السجناء".

لكن داخل الحركة الحوثية، أقر فصيل معتدل بوقوع انتهاكات وطالب بوضع حد لها وقد شكل يحيى الحوثي، شقيق زعيم الجماعة، لجنة في 2016 للتحقيق في تقارير التعذيب، وهي التي ساعدت اللجنة في إطلاق سراح 13500 سجين في أول ثلاثة أشهر من عملها.

وبعثت اللجنة تقريرًا مصورًا، حصلت الوكالة على نسخة منه، إلى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، وقد أظهر مشاهد لسجون مكتظة، إلى جانب شهادة من مسؤولين حوثيين بارزين للجنة قالوا فيها إنهم شاهدوا علامات تعذيب. 

ويقول أحد أعضاء اللجنة في المقطع المصور: "اطلعنا على ما يبكي العين دمًا". غير أن الوكالة تقول إنه لم تكن هناك أبدًا استجابة من عبد الملك على المقطع المصور، مضيفة أنه يكرر روايات الضحايا الذين تحدثوا لها.



قال بعكر، المسعف، إن المسلحين بعد اعتقاله علقوه من السقف وجردوه من ملابسه وجلدوه عاريًا ثم نزعوا أظافره وأحرقوا شعره. أغمي عليه. وذات يوم أحضروا زجاجات بلاستيكية وبدؤوا في إحراقها وصب البلاستيك المحترق فوق رأسه وعلى ظهره وبين فخذيه.

في نهاية المطاف، نقل بعكر إلى قلعة في الحديدة، وهي حصن من الحقبة العثمانية عمره 500 عام. وفي قبو قذر يعرف بـ"غرفة الضغط"، علقوه من رسغيه لمدة 50 يومًا حتى ظن معتقلوه أنه مات. أنزلوه وعندما أدركوا أنه ما زال على قيد الحياة، سمحوا لاثنين من السجناء الآخرين بإطعامه وتنظيفه.

(أسوشييتد برس)
المساهمون