"أرض بلا ياسمين": أشباح الحرب متجسّدةً

18 مايو 2019
(من العرض)
+ الخط -

في روايته "بلاد بلا سماء"، يستند الكاتب اليمني وجدي الأهدل (1973) إلى حيلة أدبية قديمة، لكنه يقدّم لها تصوُّراً مغايراً. يُقدّم المرأة كرمز للبلاد، إذ تقع عليها كلّ ثقافة المجتمع الذكوري والتقليدي، بوصفها الطرف الأضعف والمتحكَّم في مصيره.

الرواية التي صدرت عام 2008، تحوّلت مؤخّراً إلى عمل مسرحي، بعد أن نقلها إلى الإنكليزية المترجم والأكاديمي الأميركي وليام هتشينز، وجرى عرضهاً على خشبة "مركز باترسي للفنون" بلندن في نيسان/ أبريل الماضي، تحت عنوان "أرض بلا ياسمين" (وهو عنوان الرواية بالإنكليزية).

لكن لنلق نظرة عامّة على أحداث الرواية التي تدور حول واقعة اختفاء فتاة يمنية عشرينية، وهي طالبة جامعية كانت تتعرّض للتحرّش والمضايقات كيفما اتجهت. تتعدّد أطراف المشتبه بهم وراء اختفائها، فيعاقَب شاب بريء بذنب لم يقترفه للتخلُّص من عار اختفائها الذي تلجأ أسرتها إلى الشعوذة لتبريره.

يقول الأهدل، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "المرأة التي تُساء معاملتها في الرواية هي استعارة عن البلد الذي يتعرّض إلى الإساءة من مواطنيه، ولهذا ظهرت معظم الشخصيات الذكورية منافقة تتظاهر بالفضيلة، ولكن ليس لديها مانع من أن تمارس الرذيلة في السر إذا واتتها الفرصة، وهي ازدواجية موجودة أيضاً لدى السياسيّين في اليمن: الجميع يتظاهر بحب الوطن، والحقيقة أن كلّاً منهم يبحث عن مصلحته".

يقول الأهدل إنه لا يرتاح لفكرة التعامل مع النص الأدبي بوصفه أداة تنبؤ، مضيفاً: "لكن تفسير شبه التطابق بين ما كتبته قبل سنوات وواقع البلاد اليوم هو أنه نوع من الاستقراء". من هنا جاء العمل الروائي محذّراً من اختفاء اليمن مثلما اختفت سماء (اسم الشخصية الأساسية في الرواية) التي تحوَّل اسمها في النسخة الإنكليزية إلى ياسمين.

في حين تطغى قضية اختفاء سماء على المشهد العام للرواية، فإن توابع الاختفاء تتسبّب في فقدان الشاب الذي أحبّها حياته، فقد حمل جارها الذي يصغرها بسنوات عاطفة جامحة لها، لكنها عاطفة مقموعة أيضاً ومضطهدة من المجتمع.

عن ذلك يوضّح الأهدل: "الشاب نموذج لأيّ يمني يفكّر في إصلاح الأوضاع في بلاده، فإذا تبيّن أنه مخلص ومحب فعلاً لبلده وليس مدَّعياً، فحينذاك قد يواجه أخطاراً لا أول لها ولا آخر، وقد ينتهي به الأمر مقتولاً بطريقة بشعة كالتي حكتها الرواية". أمّا صمت المجتمع وأهل الضحية، فيرى الكاتب أنه "يناظر ما يحدث فعلاً في واقعنا، فالوطنيون والمصلحون قد يتعرضون للأذى أو الاعتقال أو القتل، ولكن المجتمع لا يُبالي بهم وبتضحياتهم، وكأن الأمر لا يعنيه".

في العرض، الذي قدمته فرقة "تجمّع سرحة" في لندن، تحوّلت ياسمين من شخصية إلى اثنتين: الأولى حقيقية والثانية ليست سوى شبحها، وتحوّل دور المحقّق إلى محقّقة، ودُمج الحاج سلطان بشيخ القبيلة، وعادت ياسمين إلى المنصّة في آخر مشهد، ولكن في مكان وعالم غير مألوفين، كما يشرح مخرج المسرحية الفلسطيني مؤمن سويطات لـ"العربي الجديد".

من جهته، يعتبر الأهدل أن هذه المعالجة الدرامية مناسبة؛ "فالبطلة في الرواية تختفي منذ الفصل الأول، وهذا أمر لا يمكن القبول به درامياً على المسرح، لذا كان الحل أن تظهر في مختلف أجزاء العرض كشبح".

وعن اختيار الرواية لتقديمها على المسرح، يقول سويطات: "اليمن اليوم صورة واضحة عن حال المجتمعات العربية، فإبراز صوته في مسارح عالمية هي طريقة للتواصل مع المجتمعات الغربية بوجهة نظر عربية تقول إن لنا الحق الكامل في إلقاء قصّتنا كشباب عربي في المكان والزمان اللذين نريد، بعد أن كانت الرواية العربية - ولا تزال - تُعرَض على المسارح الغربية من وجهة ‏نظر غير عربية وبشكل مكثّف، مع تركيز على أن العرب ‏ضحايا أو متشدّدون".

المساهمون