"أخضر يابس" لمحمد حمّاد: جماليات الصورة والسرد

10 ابريل 2017
من "أخضر يابس" لمحمد حماد (فيسبوك)
+ الخط -
يمتلك "أخضر يابس" (2016)، أول روائي طويل للمصري محمد حمّاد (1980)، ميزة الانصراف إلى جمالية الصورة، وبراعتها في سرد الحكاية، أو وصف الحالات. وهذا، إذْ يقول الكثير في صناعة السينما، لن يتخلّى عن الكلام، كجزءٍ من نصٍّ سرديّ، يتابع وقائع حياة يومية لشقيقتين تُقيمان معاً في منزل قديمٍ يكاد يتداعى، وفي حيّ أقدم يكاد يؤكّد فعل التداعي، بشكل دائم.
لكن وقائع الحياة اليومية تلك تبقى مدخلاً إلى اختبار حساسية اللغة السينمائية، في قول الأشياء ووصفها. فالتصوير (محمد الشرقاوي) يُشكِّل الوسيط الأبرز بين المُشاهد والسرد؛ والتوليف (الشرقاوي وحمّاد) يتابع تفعيل العلاقة بين الطرفين؛ وأداء الممثلتين هبة علي وأسماء فوزي، في دوري الشقيقتين، يُساهم في توطيد التواصل الحسّي بين المناخ العام للسرد، وفعل المتابعة.
وهذا لن ينتقص من أهمية القصّة (تأليف محمد حمّاد أيضاً)، رغم أنها ستبقى عادية: إيمان (علي) محافِظة ترتدي الحجاب، وتواجه مأزقاً صحياً، وتعمل في محلّ لبيع الحلويات، وتهتمّ بشؤون المنزل ورعاية شقيقتها منى (فوزي)، الراغبة في الزواج، رغم أنها لا تزال طالبة (غير محجّبة). يوميات عادية. حوارات محصورة بأنماط العيش اليومي، وبالتحضيرات اللازمة لاستقبال عائلة العريس. تفاصيل تبدو هامشية، لشدّة بساطتها وروتينها.
أما أهمية القصّة، فتكمن في قدرتها على كشف بواطن العلاقات المهشَّمة بين الشقيقتين الوحيدتين، وعائلات أعمامها. فالزيارة الموعودة محتاجة إلى رجلٍ يقف إلى جانبهما، والعم الأول خاضعٌ لامرأته التي لا تستسيغ تورّطاً في زواجٍ كهذا، والعم الثاني مسافر، والعم الثالث عجوز يحبّ الشقيقتين، لكنّ لابنه المُطلَّق حكاية ومأزقاً قديمين، يتحكّمان بعلاقته بإيمان. وبعد موافقته، يُصاب بعارضٍ صحي، يُشكِّل مدخلاً متواضعاً إلى لقاء خفر بين إيمان وابنه.
والروتين اليومي، بمشاغله ومساراته وأحواله، يفتح أفقاً واسعاً أمام خلل اجتماعٍ ونفوس وانفعالات، ويضع التمرين السينمائيّ أمام تحدّياتٍ، تبدأ بجعل الصورة مدخلاً إلى الفضاء المتنوّع للنصّ البصريّ، وتدفع الكاميرا إلى أقصى الحدود الممكنة في ارتباطها بوجوه وملامح وأمكنة وهواجس ومخاوف. والتمرين، المتناغم وكلام مقتضب ومكثَّف ومختصر، يمنح الشخصيات زخمها الدرامي والإنساني، لكنه لا يحول دون إقدام الحركة والتعبير الصامت على مزيدٍ من القول والبوح.
القسوة عارمةٌ. وطأة المرض، أو الخوف منه، حادّة، قبل تأكيد الفحوصات الطبيّة لإيمان بخلوّها من أي ورم سرطانيّ. والقسوة ـ إذْ تبرز في يوميات الشقيقتين، وإنْ باختلافٍ واضح في كيفية بروزها ـ تضع منى في حالة ارتباكٍ، إذْ لن يكون سهلاً معرفة المخفيّ في إلحاحها على اقترانٍ باكر: خلاصٌ من بؤرة القهر، أو رغبة في اكتشاف الجديد، أو إنقاذ لروح قبل إصابتها بالعطب الأخير؟
هذا كلّه يبقى قراءة أولى لفيلمٍ ينتمي إلى سينما مصرية مستقلّة، بل إلى سينما حيوية بجماليات اشتغالاتها المختلفة.






المساهمون