"آه يا براح عمّال بيضيق!"

09 ابريل 2015
+ الخط -

"ساح يا بداح يا سؤال جراح/ ما الذي كان وما عادش وراح/ قمر انطفا، واختفى/ نهر ما بلش حتى الريق؟". منير معهم إذن؟ رأيناه يتأبط شراً، صورته مع "عكش" السيسي جابت مواقع التواصل، كشفت بقدر ما آلمت، ثم رأيناه في حضن "محلب"، مؤخرته تملأ عرض الشاشة، وابتسامة "مخبر" سابق، تم ترقيته إلى إعلامي تملأ ما تبقى من احتمال المشاهد بالمزيد من زبد الخنزيرالمتساقط من شدقيه.

المطرب الذي غنى لأحلامنا، "طول العمر العسكر عسكر/ بس الناس الناس كانت ناس"، صار منهم، كم أغنية تحولت من ضوء إلى وجع، كم سراب حولناه بموسيقاه إلى ماء، وارتوينا مجازاً، وصدقنا، ثم ألقانا "منير" في عطشنا، لعلنا نغرق؟ لن نغرق.

حسبناه "سيد" حكايات الغريب، فإذا به عرابي "يوم مر .. يوم حلو"، نحن من فعل، لا منير، كل رجال السيسي، عفواً، وهل مع السيسي رجال، كل من طبلوا وهللوا، وابتذلوا أنفسهم أمام الشاشات، طلباً لجزء من "نقطة" العرس العسكري، هم بين صاحب سوابق، وصاحب علامات، وهذا الأخير الذي يضم في طياته أمثال محمد منير، ومحمد صبحي، ويحيى الفخراني، وعبد الرحمن الأبنودي، وآخرين، كلهم تركوا خلفهم ما يدل إلى حقيقة انحيازاتهم، لكننا تغافلنا، بقصد، وبدون!

منير كان يشكر مبارك في بعض حفلاته، آخرها كانت في الإسكندرية، لأنه الرجل الحكيم الذي جنب مصر ويلات الحروب، كنا نبلعها، إكراماً لفنه، نظنها "حسبة" خاطئة، يلومه المقربون برفق، ثم ننسى، ولا نتذكر إلا "طول العمر العسكر عسكر".

محمد صبحي وقف أمام مبارك، في تجديده غير الشرعي لمدة حكمه، ذلك الذي كان يسميه استفتاء، وقال إنه فخور بأن ابنه ذهب اليوم لينتخب الرئيس محمد حسني مبارك.

الفخراني، الممثل العظيم، بطبيعته لا يتحدث كثيراً، مكانته عند الناس تشبه مكانة شيخ القرية، محل الاعتبار، والاحترام والتقدير، يظهر في لحظات مفصلية، ليلقي بكلمة النظام في روع الناس، ثم يختفي، أبرزها كانت موافقته على إغلاق معبر رفح، و"تكتيف" أهلنا في غزة لصالح الصهاينة بدعوى أن ذلك كان من تمام حكمة الرئيس مبارك، قالها أمام الشاشة في لهجة الحكماء العارفين ببواطن الأمور!

الأبنودي، تاريخ من "التعريض" بخصوم النظام لصالح العسكر، فضحه الفاجومي في مذكراته حين أشار إلى ظهوره على التلفزيون مع أحد رجال ناصر مدعياً أن النظام لا يسجن مثقفاً بدليل وجوده هو خارج السجن، فيما كان كل مثقفي البلد، إلاه، داخل المعتقلات.

الأبنودي، وقف أمام مبارك بعد عودة الأخير من رحلة علاجية في ألمانيا يخبره شعراً، أن المصريين كانوا على سجادة الصلاة طوال فترة مرضه وغيابه عن البلاد يدعون له بالشفاء والسلامة، ناهيك عن تظاهره مع "شلة" فاروق حسني من أجل بقاء الأخير على كرسي الوزارة بعد كارثة حرق مسرح بني سويف!

كلهم أبناء النظام وصنيعته، وليس معنى أنهم كتبوا يوماً ضده، أنهم معنا، إنما كانوا يؤسسون لشرعيتهم النضالية، حتى إذا جاء أوان استخدامهم خدموا، هم صنائع الأنظمة، ونموذج المعارض الذي كانت ترضاه، وتروج له، بحيث يبدو من يتجاوزه، متطرفاً!

نظرة إلى دول الربيع العربي، ثمة منير، وصبحي، والفخراني، والأبنودي وآخرون. أين زياد الرحباني، المغني، والمثقف الثائر على كل شيء، أين هو من ثورة سورية، ذلك الذي نام الثوار في حضن أغانيه، قبل أن تتحول إلى حرب على يد شبيحة بشار، يوشك زياد أن يصدر الطبعة السورية من "تسلم الأيادي"، أين مارسيل خليفة، صوت القيمة، والتمرد، هذا الذي غنى للقضية على إيقاعات "درويش" المقدسية، صاحب "شدوا الهمة" يحتاج إلى من يوقظه بدوره ليشد، أين جوليا بطرس، أين أحمد قعبور، بل أين "فيروز" شخصياً، من الربيع العربي كله؟ كلهم، رغم ما لهم من أياد فنية بيضاء، جزء من أنظمة ثرنا عليها، فلا معنى للدهشة، التفكير أولى!


(مصر)

المساهمون